[ ص: 263 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا: ومنهم من وافق على أن واجب الوجود واحد، ثم افترقوا، فقال فريق منهم: إنه لم يزل ولا وجود لشيء عنه، ثم ابتدأ وجود شيء عنه، ولولا هذا لكانت أحوال متجددة من أصناف شتى في الماضي لا نهاية لها، موجودة بالفعل؛ لأن كل واحد منهما وجد، فالكل وجد، فيكون لما لا نهاية له من أمور متعاقبة كلية منحصرة في الوجود. قالوا: وذلك محال، وإن لم تكن كلية حاصرة لأجزائها معا، فإنها في حكم ذلك. وكيف يمكن أن تكون حال من هذه الأحوال توصف بأنها لا تكون إلا بعد ما لا نهاية لها، فيكون موقوفا على ما لا نهاية له، فيقطع إليها ما لا نهاية له. ثم كل وقت يتجدد يزداد عدد تلك الأحوال، وكيف يزداد عدد ما لا نهاية له؟
ومن هؤلاء من قال: إن العالم وجد حين كان أصلح لوجوده، ومنهم من قال: لم يمكن وجوده إلا حين وجد. ومنهم من قال: لا يتعلق وجوده بحين وشيء آخر، بل بالفاعل، ولا يسأل عن لم؟. فهؤلاء هؤلاء. وبإزاء هؤلاء قوم من القائلين بوحدانية الأول، يقولون:
[ ص: 264 ] إن واجب الوجود بذاته واجب الوجود في جميع صفاته، وأحواله الأولية، وإنه لن يتميز في العدم الصريح حال أولى به فيها ألا يوجد شيئا، أو بالأشياء ألا توجد عنه أصلا، وحال بخلافها ولا يجوز أن تسنح له إرادة متجددة إلا لداع، ولا أن تسنح جزافا. وكذلك لا يجوز أن تسنح طبيعة أو غير ذلك بلا تجدد حال. وكيف تسنح إرادة لحال تجددت، وحال ما تجدد، كحال ما تمهد له التجدد فيتجدد؟ وإذا لم يكن تجدد كانت حال ما لم يتجدد شيء حالا واحدة مستمرة على نهج واحد. وسواء جعلت التجدد لأمر تيسر أو لأمر زال مثلا كحسن من الفعل وقتا ما تيسر، أو وقت معين، أو غير ذلك مما عد، أو لقبح كان يكون له، أو كان قد زال، أو عائق أو غير ذلك كان فزال.
قالوا: فإن كان الداعي إلى تعطيل واجب الوجود عن إفاضة الخير والوجود هو كون المعلول مسبوق العدم لا محالة، فهذا الداعي
[ ص: 265 ] ضعيف قد انكشف لذي الإنصاف ضعفه، على أنه قائم في كل حال، وليس في حال أولى بإيجاب السبق من حال.
وأما كون المعلول ممكن الوجود في نفسه، واجب الوجود لغيره، فليس يناقض كونه دائم الوجود بغيره، كما نبهت عليه.
وأما كون غير المتناهي كلا موجودا، ككون كل واحد وقتا ما موجودا، فهو توهم خطأ، فليس إذا صح على كل واحد حكمه، صح على كل محصل، وإلا لكان يصح أن يقال: الكل من غير المتناهي يمكن أن يدخل في الوجود؛ لأن كل واحد يمكن أن يدخل في الوجود، فيحتمل الإمكان على الكل، كما يحمل على كل واحد.
قالوا: ولم يزل غير المتناهي من الأحوال التي يذكرونها معدوما إلا شيئا بعد شيء، وغير المتناهي المعدوم قد يكون فيه أقل وأكثر. ولا يثلم ذلك كونها غير متناهية في العدم.
وأما توقف الواحد منها على أن يوجد قبله ما لا نهاية له،
[ ص: 266 ] واحتياج شيء منها إلى أن يقطع إليه ما لا نهاية له فهو قول كاذب. فإن معنى قولنا: توقف على كذا، هو أن الشيئين وصفا معا بالعدم، والثاني لم يكن يصح وجوده إلا بعد وجود المعلول الأول، وكذلك الاحتياج. ثم لم يمكن ألبتة، ولا في وقت من الأوقات، يصح أن يقال: إن الأخير كان متوقفا على وجود ما لا نهاية له، أو محتاجا إلى أن يقطع إليه ما لا نهاية له، بل أي وقت فرضت وجدت بينه وبين كون الأخير أشياء متناهية، ففي جميع الأوقات هذه صفته، لا سيما والجميع عندكم وكل واحد واحد، فإن عنيتم بهذا التوقف أن هذا لم يوجد إلا بعد وجود أشياء كل واحد منها في وقت آخر لا يمكن أن يحصى عددها، وذلك محال، فهذا نفس المتنازع فيه، أنه ممكن أو غير ممكن، فكيف يكون مقدمة في إبطال نفسه؟ أبأن يغير لفظها بتغير لا يتغير به المعنى؟ قالوا: فيجب من اعتبار ما نبهنا عليه أن يكون الصانع الواجب الوجود غير مختلف النسب إلى الأوقات والأشياء الكائنة عنه كونا أوليا،
[ ص: 267 ] وما يلزم من ذلك الاعتبار لزوما ذاتيا، إلا ما يلزم من اختلافات تلزم عندها فيتبعها التغير، فهذه هي المذاهب وإليك الاعتبار بعقلك دون هواك، بعد أن تجعل واجب الوجود واحدا.