فإذا قيل لهم: إن ها هنا موجودا ليس بجسم ارتفع عنهم التخيل، فصار عندهم من قبيل المعدوم، ولا سيما إذا قيل: إنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوق ولا أسفل. ولهذا اعتقدت الطائفة التي
[ ص: 263 ] أثبتت الجسمية في الطائفة التي نفتها عنه سبحانه أنه ملشية واعتقدت التي نفتها في المثبتة أنها مكثرة.
قال: وأما السبب الثالث فهو
أنه إذا صرح بنفي الجسمية، عرضت من الشرع شكوك كثيرة مما يقال في المعاد وغير ذلك. فمنها ما يعرض من ذلك في الرؤية التي جاءت بها السنة الثابتة، وذلك أن الذين صرحوا بنفيها -أعني الجسمية- فرقتان:
المعتزلة والأشعرية.
فأما
المعتزلة فدعاهم هذا الاعتقاد إلى نفي الرؤية. وأما
الأشعرية فأرادوا أن يجمعوا بين الأمرين، فعسر ذلك عليهم، ولجأوا في الجمع إلى أقاويل سوفسطائية سنرشد إلى الوهن الذي فيها عند الكلام في الرؤية.
ومنها أنه يوجب انتفاء الجهة في بادي الرأي عن الخالق سبحانه أنه ليس بجسم، فترجع الشريعة متشابهة. وذلك أن بعث الأنبياء انبنى على
[ ص: 264 ] أن الوحي نازل عليهم من السماء، وعلى ذلك انبنت شريعتنا هذه، أعني أن الكتاب العزيز نزل من السماء.
كما قال تعالى:
إنا أنزلناه في ليلة مباركة [الدخان: 3]، وانبنى نزول الوحي من السماء على أن الله في السماء.
وكذلك كون الملائكة تنزل من السماء وتصعد إليها، كما قال تعالى:
إليه يصعد الكلم الطيب [فاطر: 10]، وقال تعالى:
تعرج الملائكة والروح إليه [المعارج: 4].