صفحة جزء
والمقصود هنا الكلام على قول القائل: «إذا تعارضت الأدلة السمعية والعقلية ....إلخ» كما تقدم.

والكلام على هذه الجملة بني على بيان ما في مقدمتها من التلبيس، فإنها مبنية على مقدمات.

أولها: ثبوت تعارضها.

والثانية: انحصار التقسيم فيما ذكره من الأقسام الأربعة.

والثالثة: بطلان الأقسام الثلاثة.

والمقدمات الثلاثة باطلة. [ ص: 79 ]

وبيان ذلك بتقديم أصل، وهو أن يقال: إذا قيل: تعارض دليلان، سواء كانا سمعيين أو عقليين، أو أحدهما سمعيا والآخر عقليا، فالواجب أن يقال: لا يخلو إما أن يكونا قطعيين، أو يكونا ظنيين، وإما أن يكونا أحدهما قطعيا والآخر ظنيا.

فأما القطعيان فلا يجوز تعارضهما: سواء كانا عقليين أو سمعيين، أو أحدهما عقليا والآخر سمعيا، وهذا متفق عليه بين العقلاء؛ لأن الدليل القطعي هو الذي يجب ثبوت مدلوله: ولا يمكن أن تكون دلالته باطلة.

وحينئذ فلو تعارض دليلان قطعيان، وأحدهما يناقض مدلول الآخر، للزم الجمع بين النقيضين، وهو محال، بل كل ما يعتقد تعارضه من الدلائل التي يعتقد أنها قطعية فلا بد من أن يكون الدليلان أو أحدهما غير قطعي، أو أن لا يكون مدلولاهما متناقضين، فأما مع تناقض المدلولين المعلومين فيمتنع تعارض الدليلين.

وإن كان أحد الدليلين المتعارضين قطعيا دون الآخر فإنه يجب تقديمه باتفاق العقلاء، سواء كان هو السمعي أو العقلي، فإن الظن لا يرفع اليقين.

وأما إن كانا جميعا ظنيين: فإنه يصار إلى طلب ترجيح أحدهما، فأيهما ترجح كان هو المقدم، سواء كان سميعا أو عقليا. [ ص: 80 ]

ولا جواب عن هذا، إلا أن يقال: الدليل السمعي لا يكون قطعيا، وحينئذ فيقال: هذا - مع كونه باطلا - فإنه لا ينفع، فإنه على هذا التقدير يجب تقديم القطعي لكونه قطعيا، لا لكونه عقليا، ولا لكونه أصلا للسمع، وهؤلاء جعلوا عمدتهم في التقديم كون العقل هو الأصل للسمع، وهذا باطل، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

وإذا قدر أن يتعارض قطعي وظني، لم ينازع عاقل في تقديم القطعي، لكن كون السمعي لا يكون قطعيا دونه خرط القتاد.

التالي السابق


الخدمات العلمية