[ ص: 131 ] قال: "ويدعي كل واحد في جهة الاستدلال ضرورة وبديهة".
قال: "وأنا أقول: ما شهد به الحدوث، أو دل عليه الإمكان بعد تقديم المقدمات، دون ما شهدت به الفطرة الإنسانية من احتياجه في ذاته إلى مدبر، هو منتهى مطلب الحاجات، يرغب إليه، ولا يرغب عنه، ويستغنى به ولا يستغنى عنه، ويتوجه إليه ولا يعرض عنه، ويفزع إليه في الشدائد والمهمات، فإن احتياج نفسه أوضح من احتياج الممكن الخارج إلى الواجب، والحادث إلى المحدث.
وعن هذا المعنى كانت تعريفات الحق سبحانه في التنزيل على هذا المنهاج،
أمن يجيب المضطر إذا دعاه [سورة النمل: 62]
قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر [سورة الأنعام: 63 ]
[ ص: 132 ] قل من يرزقكم من السماوات والأرض [سورة يونس: 31]
أمن يبدأ الخلق ثم يعيده [سورة النمل: 64].
وعن هذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=885964«خلق الله العباد على معرفته فاجتالتهم الشياطين عنها».
قلت: لفظ الحديث في الصحيح:
nindex.php?page=hadith&LINKID=909527«يقول الله خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا».
قال: فتلك المعرفة هي ضرورة الاحتياج، وذلك الاجتيال من الشيطان هو تسويله الاستغناء ونفي الحاجة،
والرسل مبعوثون لتذكير وضع الفطرة، وتطهيرها عن تسويلات الشياطين، فإنهم الباقون على أصل الفطرة، وما كان له عليهم من سلطان
فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى [سورة الأعلى: 10 – 11]
[ ص: 133 ] فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى [سورة طه: 44].
قلت: الذي في الحديث: إن الشياطين أمرتهم أن يشركوا به ما لم ينزل به سلطانا وهذا المرض العام في أكثر بني آدم، وهو الشرك، كما قال تعالى:
وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [سورة يوسف: 106] وأما التعطيل فهو مرض خاص لا يكاد يقع إلا عن عناد كما وقع
لفرعون.
وليس في الحديث أن الشياطين سولت لهم الاستغناء عن الصانع، فإن هذا لا يقع إلا خاصا لبعض الناس، أو لكثير منهم في بعض الأحوال، وهو جنس السفسطة، بل هو شر السفسطة، والسفسطة لا تكون عامة لعدد كثير دائما، بل تعرض لبعض الناس، أو لكثير منهم في بعض الأشياء.
قال: "ومن رحل إلى الله قربت مسافته، حيث رجع إلى نفسه أدنى رجوع، فعرف احتياجه إليه في تكوينه وبقائه، وتقلبه في أحواله، وأنحائه، ثم استبصر من آيات الآفاق إلى آيات الأنفس، ثم استشهد به على الملكوت، لا بالملكوت عليه .. إلخ".
[ ص: 134 ]