قال : "وإنما الإشكال في المقدمات الثلاث الأول" .
قال : "وذلك أن لقائل أن يقول : قولكم : إن كل صفة حادثة لا بد لها من ضد ، فإما أن يراد بالضد معنى وجودي يستحيل اجتماعه مع تلك الصفة لذاتيهما . وإما أن يراد به ما هو أعم من ذلك ، وهو ما لا يتصور اجتماعه مع وجود الصفة لذاتيهما . وإن كان عدما حتى يقال ، فإن عدم الصفة يكون ضدا لوجودها ، فإن كان الأول فلا نسلم أنه لا بد وأن يكون للصفة ضد بذلك الاعتبار ، والاستدلال على موقع المنع عسير جدا . وإن كان الثاني فلا نسلم أنه
[ ص: 31 ] يلزم أن يكون ضد الحادث حادثا ، وإلا كان عدم العالم السابق على وجوده حادثا ، ولو كان عدمه حادثا كان وجوده سابقا على عدمه وهو محال" .
قال : "وإن سلمنا أنه لا بد أن يكون ضد الحادث معنى وجوديا ، ولكن لا نسلم امتناع خلو المحل عن الصفة وضدها بهذا الاعتبار . وحيث قررنا في مسألة الكلام والإدراكات أن القابل لصفة لا يخلو عنها وعن ضدها إنما كان بالمعنى الأعم ، لا بالمعنى الأخص ، فلا مناقضة" .
قلت : هذا كلام حسن جيد لو كان قد وفى بموجبه ، فإن هذه الطريقة مما كان يحتج بها السلف والأئمة في
إثبات صفات الكمال ، كالكلام والسمع والبصر ، وقد اتبعهم في ذلك متكلمة الصفاتية من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13464ابن كلاب nindex.php?page=showalam&ids=17017وابن كرام nindex.php?page=showalam&ids=13711والأشعري وغيرهم ، بل أثبتوا بها عامة صفات الكمال .
وقد أورد عليها ما يورده نفاة الصفات ، وزعم أن ذلك قادح فيها ،
[ ص: 32 ] فقال : "أما أهل الإثبات - يعني للصفات - فقد سلك بعضهم في الإثبات مسلكا ضعيفا ، وهو أنهم تعرضوا لإثبات أحكام الصفات ، ثم توصلوا منها إلى إثبات العلم بالصفات ثانيا . فقالوا : إن العالم لا محالة على غاية من الحكمة والإتقان ، وهو مع ذلك جائز وجوده وجائز عدمه كما سيأتي ، وهو مستند في التخصيص والإيجاد إلى واجب الوجود كما سيأتي أيضا ، فيجب أن يكون قادرا عليه ، مريدا له ، عالما به كما وقع [به] الاستقراء في الشاهد فإن من لم يكن قادرا لا يصح صدور شيء عنه ، ومن لم يكن مريدا لم يكن تخصيص بعض الجائزات عنه دون بعض بأولى من العكس ، إذ نسبتها إليه واحدة ، ومن لم يكن عالما بالشيء لا يتصور منه القصد إلى إيجاده .
[ ص: 33 ] قالوا : وإذا ثبت كونه قادرا مريدا عالما وجب أن يكون حيا ، إذ الحياة شرط في هذه الصفات على ما عرف في الشاهد ، وما كان له في وجوده أو عدمه شرط لا يختلف شاهدا ولا غائبا ، ويلزم من كونه حيا أن يكون سميعا بصيرا متكلما ، فإن من لم تثبت له هذه الصفات من الأحياء فهو متصف بأضدادها كالعمى والطرش والخرس ، على ما عرف في الشاهد أيضا . والإله تعالى يتقدس عن الاتصاف بهذه الصفات .
قالوا : وإذا ثبت له هذه الأحكام فهي في الشاهد معللة بالصفات ، فالعلم في الشاهد علة كون العالم عالما ، والقدرة علة كون القادر قادرا ، وعلى هذا النحو باقي الصفات ، والعلة لا تختلف لا شاهدا ولا غائبا .