والمسلمون متفقون على
أن الله خالق كل موجود سواه . فلو قيل : لو جاز أن يخلق موجودا للزم أن يخلق كل موجود ، فيلزم أن يكون خالقا لنفسه وهو محال . أو لو قيل : لو جاز أن يخلق عالما قادرا حيا، لزم أن يخلق كل حي عالم قادر ، وهو حي عالم قادر ، فيلزم أن يكون خالقا لنفسه وهو محال لكان هذا كلاما باطلا .
وأصل هذا أن السالب النافي لما نفي نفيا عاما أن يقوم بالله صفة ، أو أن يقوم به ما يريده ويقدره عليه لكونه حادثا فنفي نفيا عاما أن يقوم به حادث ونحو ذلك، قابله المثبت فناقض هذا الخبر العام وهذه القضية السالبة الكلية ، وكذبها يحصل بإثبات خاص ، وهو القضية الجزئية الموجبة ، فيجوز قيام صفة ما من الصفات ، وحادث ما من الحوادث، وذلك الجائز لم يجز قيامه للمعنى المشترك بينه وبين سائر الصفات والحوادث ، وإنما قام لمعنى يختص به وبأمثاله ، لا يشاركه فيه جميع الصفات والحوادث .
لكن المشترك ، كما أنه ليس هو المقتضى له للقيام بالذات ، فليس هو مانعا. فكون القائم به صفة أو حادثا ليس أمرا موجبا للقيام به، حتى يقوم كل صفة وحادث، ولا مانعا من القيام به حتى يمنع كل صفة وحادث .
[ ص: 57 ]
فمن نفى نفيا عاما لأجل ذلك، فهو معارض بمن أثبت إثباتا عاما لأجل ذلك ، وكلاهما باطل . بل هو المستحق لصفات الكمال العارية عن النقص، وهو على كل شيء قدير ، ولم يزل قادرا على أن يتكلم ويفعل بمشيئته واختياره ، سبحانه وتعالى .