وتخصيص الأزمنة بالحوادث المختلفة أمر مشهود ، ولأن الفاعل الذي يحدث ما يحدثه من غير فعل يقوم بنفسه غير معقول ، بل ذلك يقتضي أن الفعل هو المفعول ، والخلق هو المخلوق ، وأن مسمى المصدر هو مسمى المفعول به ، وأن التأثير هو الأثر .
ونحن نعلم بالاضطرار أن التأثير أمر وجودي ، وإذا كان دائما لزم قيامه بذاته دائما ، وأن تكون ذاته دائما موصوفة بالتأثير ، والتأثير صفة كمال ،
فهو لم يزل متصفا بالكمال، قابلا للكمال، مستوجبا للكمال . وهذا أعظم في إجلاله وإكرامه -سبحانه وتعالى .
وبهذه الطريق وأمثالها يتبين أن الحجة العقلية التي يحتج بها
[ ص: 70 ] أهل الضلال ، فإنه يحتج بها على نقيض مطلوبهم ، كما أن الحجج السمعية التي يحتجون بها حالها كذلك .
وذلك مثل احتجاجهم على قدم الأفلاك ، بأنه إذا كان مؤثرا في العالم، فإما أن يكون التأثير وجوديا أو عدميا ، والثاني معلوم الفساد بالضرورة .
لكن هذا قول كثير من
المعتزلة والأشعرية ، وهو قول من يقول: الخلق هو المخلوق ، وإن كان وجوديا ، فإن كان حادثا لزم التسلسل ، ولزم كونه محلا للحوادث، فيجب أن لا يكون قديما ، وإن كان قديما ، لزم قدم مقتضاه، فيلزم قدم الأثر .
فيقال: أولا: هذا يقتضي أن لا يكون شيء من آثاره محدثا ، وهذا خلاف المشاهدة .
وموجب هذه الحجة : أن الأثر يقترن بالمؤثر التام التأثير ، وإذا كان كذلك فكلما حدث من الحوادث شيء كان التأثير التام منتفيا في الأزل، وكذلك أيضا كلما تجدد شيء من المتجددات . وحينئذ فيلزم أنه لم يكن في الأزل تأثير يستلزم آثاره ، وهذا نقيض قولهم .
وحينئذ فيلزم حدوث التأثير وتسلسله، وإذا كان التأثير وجوديا
[ ص: 71 ] وجب أن يكون قائما بالمؤثر ، وهذا يقتضي دوام ما يقوم بذاته من أحواله وشؤونه التي هي [من] آثار قدرته ومشيئته .
وهذه الحجج الثلاث المذكورة مبناها على جواز التسلسل في الآثار ،
والكرامية لا تقول بذلك، لكن يقول به غيرهم من المسلمين، وأهل الملل ، وغير أهل الملل .
والكرامية تجيب من يوافقها على التسلسل بما تقدم من المعارضات أو الممانعات .