قال
nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي: "وأما
المعتزلة فمنهم من قال: المفهوم من قيام الصفة بالموصوف حصولها في الحيز، تبعا لحصول محلها فيه ، والباري ليس بمتحيز فلا تقوم بذاته الصفة ، ومنهم من قال: الجوهر إنما صح قيام الصفات به لكونه متحيزا، ولهذا فإن الأعراض لما لم تكن متحيزة لم يصح قيام المعاني بها ، والباري ليس بمتحيز، فلا يكون محلا للصفات" .
قال: "وهذه الشبهة تدل على انتفاء الصفة عن الله تعالى مطلقا، قديمة كانت أو حادثة ، وهي ضعيفة جدا. أما الشبهة الأولى، فلقائل أن يقول: لا نسلم أنه لا معنى لقيام الصفة بالموصوف إلا ما ذكروه ، بل معنى قيام الصفة بالموصوف تقوم الصفة بالموصوف في الوجود ، وعلى هذا فلا يلزم أن يكون المعلول قائما
[ ص: 79 ] بالعلة، لكونه متقوما بها في الوجود، إذ ليس المعلول صفة ولا العلة موصوفة به .
وأما الشبهة الثانية، فلقائل أن يقول: لا نسلم أن قيام الصفات بالجوهر لكونه متحيزا ، بل أمكن أن يكون ذلك لمعنى مشترك بينه وبين الباري تعالى، وإن كان ذلك لكونه متحيزا، فلا يلزم من انتفاء الدليل في حق الله تعالى انتفاء المدلول ، كما تقدم تحقيقه . وقد أمكن أن يكون ذلك لمعنى اختص به الباري تعالى، ولا يمتنع تعليل الحكم الواحد بعلتين في صورتين .
قلت : أما الحجة الأولى، فيقال: قيام الصفة بالموصوف معروف يتصور بالبديهة ، وهو أوضح مما حدوه به حيث قالوا: إن ذلك هو حصول الصفة في الحيز، تبعا لحصول محلها فيه ، فإن الناس يفهمون قيام اللون والطعم والريح بالموصوف بذلك ، وإن لم يخطر بقلوبهم هذا الحصول .
فإن ادعى مدع أن كل موصوف متحيز ، وأن قيام الصفة بدون المتحيز ممتنع .
[ ص: 80 ] فيقال: من الناس من ينازعك في هذا ، ومنهم من يوافقك عليه ، والموافقون لك منهم من يقول: كل قائم بنفسه متحيز ، ولا أعلم قائما بنفسه إلا المتحيز ، ومنهم من يقول: بل أعلم قائما بنفسه غير المتحيز، فقولك لا يصح إلا إذا ثبت لك أن كل موصوف متحيز ، وثبت لك وجود موجود ليس بمتحيز ، حتى يستلزم ثبوت موجود ليس بموصوف .
وجمهور الخلق ينكرون هذه الدعوى ، بل يقولون: إثبات موجود لا يوصف بشيء من الصفات ، بل هو ذات مجردة ، كإثبات وجود مطلق لا يتعين ولا يتخصص ، وهذا كله ممتنع لمن تصوره بضرورة العقل، ويقولون: هذا إنما يعقل تصوره في الأذهان لا في الأعيان ، والذهن يقدر فيه الممتنعات ، كالجمع بين الضدين والنقيضين .
والجواب المركب : أن يقال: ما تعني بقولك متحيزا؟ أتعني به ما كان له حيز موجود يحيط به؟ أم تعني به ما يقدر المقدر له حيزا عدميا، أو ما كان منحازا عن غيره؟
فإن عنيت الأول كان باطلا متناقضا ، فإن الأجسام: إن كانت متناهية لم تكن في حيز وجودي، فإنها إذا كانت متناهية ، لو كانت في حيز وجودي ، لزم أن يكون الجسم في جسم آخر إلى ما لا يتناهى، ولزم وجود أبعاد لا تتناهى ، وإن كانت غير متناهية امتنع كون ما لا يتناهى في حيز وجودي ، لأن ذلك الحيز هو أيضا داخل فيما لا يتناهى.
[ ص: 81 ]
فهذا جواب برهاني . والجواب الإلزامي أن قولك: كل موصوف يحيط به حيز وجودي يستلزم وجود أجسام لا تتناهى، وهذا باطل عندك، فإن العالم متحيز موصوف وليس في حيز وجودي .
وإن قلت : أعني به أمرا عدميا.
قيل لك: العدم لا شيء ، وما جعل في لا شيء لم يجعل في شيء .
فكأنك قلت : المتحيز ليس في غيره. وحينئذ فلا نسلم لك امتناع كون الرب متحيزا بهذا الاعتبار .
وكذلك إن فسرته بالمنحاز المباين لغيره، كان نفي اللازم ممتنعا .
فإن قلت : قد قام الدليل على حدوث ما كان كذلك، لأن ما كان كذلك لم يخل من الحوادث والأعراض ، أو كان مختصا بقدر أو صفة أو تميز منه شيء عن شيء، وهذا تركيب عاد الكلام إلى هذه المواد الثلاثة ، وقد علم أنها مادة الكلام الباطل .
وقد بين فساد ذلك بوجوه، وحينئذ فلا يمكنك نفي شيء من موارد النزاع إلا بنفي ذلك، فيعود الكلام إلى نفي ذلك .
وأما الحجة الثانية فقول القائل: إن الجوهر إنما صح قيام الصفة به لكونه متحيزا.
[ ص: 82 ]
فيقال أولا: لا نسلم أن قيام الصفة بمحلها يحتاج إلى علة أعم من المحل ، بل كل صفة لازمة لمحلها، وهي محتاجة إلى ذلك المحل المعين لمعنى يخص ذلك المعين، لا يعلل كونها فيه بأعم منه ، لأن العلة إذا كانت أعم من المعلول كانت منتقضة .
وإن قيل: نحن نعلل جنس قيام الصفات بجنس التحيز .
قيل : وجنس
قيام الصفات لا يحتاج إلى غير محل يقوم به، وإن لم يخطر بالقلب كونه متحيزا .
وإن قيل: إن التحيز لازم للمحل الذي تقوم به الصفات .
قيل: وقيام الموصوف بنفسه لازم أيضا، وغير ذلك .
ثم الكلام في التحيز على ما تقدم. وبالجملة فهذا كلام في جنس الصفات لا في خصوص الحوادث، ولا ريب أن نفاة الصفات من
الجهمية والمعتزلة والفلاسفة كلامهم في الموضعين [واحد]، وفساد أصولهم مبين في غير هذا الموضع .