واعتبر ذلك بما ذكره
أبو الحسين البصري، أفضل متأخري
المعتزلة، فإنه قال في كتاب "عيون الأدلة" قال: "باب القول في أن الله قديم، وحده عندنا أنه لا قديم إلا الله، وذهب قوم إلى إثبات قديم أكثر من
[ ص: 37 ] قديم واحد،
فالكلابية والأشعرية أثبتوا ذواتا قديمة قائمة بذات الباري تعالى، منها ذات توجب أن يكون عالما ولولاها لم يكن عالما، وذات توجب كونه قادرا، ولولاها لم يكن قادرا، وذات توجب كونه حيا، ولولاها لم يكن حيا، وكذلك القول في السمع والبصر والإرادة.
وأثبتت كلامه قديما، وقالوا: هذه المعاني لا هي الله ولا غيره ولا بعضه، وكل منها ليس هو الآخر ولا غيره ولا بعضه. وقالوا: لو لم يكن في الوجود إلا ذات الباري تعالى وحده، لكان غير قادر ولا عالم ولا حي، وعندنا أن الله تعالى قادر عالم حي لذاته، ونعني بذلك أن ذاته متميزة عن سائر الذوات تمييزا يجب معه أن يعلم الأشياء ويقدر على ما لا نهاية له ويحيا، ولا يحتاج إلى معنى به يقدر، وإلى معنى به يعلم، وإلى معنى به يحيا، ولو لم يكن في الوجود إلا ذات الله تعالى فقط، لكان عندنا عالما حيا قادرا سميعا بصيرا".
قال: "فإن قالوا: لله علم وقدرة وحياة. قيل لهم: إن أردتم بذلك أنه قادر عالم حي فنعم. لله علم بكل شيء، وقدرة على كل شيء مما لا نهاية له، وحياة: بمعنى أنه عالم قادر حي. وإن أردتم بالعلم ذاتا كان بها عالما، ولولاها ما كان عالما، تسمونها علما، وأردتم بالقدرة ذاتا بها كان قادرا تسمونها قدرة، وأردتم بالحياة ذاتا بها كان حيا تسمونها حياة، فالله تعالى مستغن عن ذلك".