وأما قولك: ولا يحتاج إلى معنى به يقدر، وإلى معنى به يعلم، فهذا لفظ مجمل، فإن هذا إنما يصلح أن يكون حجة على
مثبتة الأحوال الذين يقولون: هناك معنى هو العلم أوجب كونه عالما، فقولك هذا كقول القائل: لا يحتاج إلى كونه عالما قادرا، ولا يحتاج إلى أن يعلم ويقدر، وأنتم تسلمون لهم أنه لا بد أن يعلم ويقدر، وهذا هو عندهم العلم والقدرة، فقول القائل: بعد هذا يحتاج إلى هذا أو لا يحتاج
[ ص: 42 ] سؤال لا يرد عليهم ولا على أحد، وذلك أن
معنى الحاجة: إن أريد به أن اتصافه بصفات الكمال لا يستلزم كونه عالما قادرا، فهذا باطل. وإذا قيل: إن ذلك يتضمن الحاجة إلى صفة. فهو كقول القائل: إن ذلك يتضمن الحاجة إلى ذاته، وهو غني بنفسه عن كل ما سواه، ولا يقال: هو غني عن نفسه، فإن نفسه المقدسة الموصوفة بصفة الكمال المستلزمة لذلك هي الغنية، فإذا قيل: هو غني عن ذلك، كان مثل قول القائل هو غني عن نفسه، أو غني عن غناه، أو غني عما لا يكون غنيا إلا به، وكقوله: الحي الذي تجب الحياة له غني عن حياته، أو واجب الوجود غني عن وجوده، والقديم غني عن قدمه، ونحو ذلك.
فإن قال: هم يقولون: عالم بعلم، ولا يقولون: موجود بوجود، ولا باق ببقاء، ولا قديم بقدم.
قيل: منهم من يقول ذلك، ومنهم من لا يقول به، ويفرق بأن نفس الذات القديمة الباقية إذا قدرت غير قديمة ولا باقية لم يرجع الخلاف في ذلك إلى معنى ثبوتي قام بها، فإن البقاء هو الدوام، والشيء الباقي إذا قدر أنه لم يتغير، فحاله مع البقاء ودونه سواء، بخلاف العلم والقدرة، فإن الذات العالمة القادرة إذا قدر أنها غير عالمة ولا قادرة، علم بذلك اختلاف حالها في نفسها، فدل ذلك على أن العلم والقدرة معنى يقوم بها تتصف به يختلف حالها في نفسها بتقدير عدمه، ليس هو مجرد نسبة وإضافة كالبقاء ونحوه.