والناس في ذلك ثلاثة أصناف: أهل الحلول والاتحاد، وأهل النفي والجحود، وأهل الإيمان والتوحيد والسنة.
فأهل الحلول يقولون: إنه بذاته في كل مكان، وقد يقولون بالاتحاد والوحدة، فيقولون: وجود المخلوقات وجود الخالق، كما هو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12816ابن عربي صاحب "الفصوص"
وابن سبعين ونحوهما.
[ ص: 204 ]
وأما أهل النفي والجحود فيقولون: لا هو داخل العالم ولا خارج عنه، ولا مباين له ولا حال فيه، ولا فوق العالم ولا فيه، ولا ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء، ولا يتقرب إليه شيء، ولا يدنو منه شيء، ولا يتجلى لشيء ولا يراه أحد، ونحو ذلك.
وهذا قول متكلمة
الجهمية، كما أن الأول قول عباد
الجهمية. فمتكلمة
الجهمية لا يعبدون شيئا، ومتعبدة
الجهمية يعبدون كل شيء، وكلاهما مرجعهم إلى التعطيل والجحود الذي هو قول
فرعون.
وقد علم أن
الله كان قبل أن يخلق السماوات والأرض، ثم خلقها، فإما أن يكون دخل فيهما، وهذا حلول باطل وإما أن يكونا دخلا فيه، وهو أبطل وأبطل؛ وإما أن يكون بائنا عنهما لم يدخل فيهما ولم يدخلا فيه، وهذا قول أهل الحق والتوحيد والسنة.
ولأهل الحلول والتعطيل في هذا الباب شبهات يعارضون بها كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، وما فطر الله عليه عباده، وما دلت عليه الدلائل العقلية الصحيحة. فإن هذه الأدلة كلها متفقة على أن
الله فوق مخلوقاته عال عليها، قد فطر الله على ذلك العجائز والأعراب والصبيان في الكتاب، كما فطرهم على الإقرار بالخالق. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651270 "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ "يقول nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله . [ ص: 205 ]
وهذا معنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز: عليك بدين الأعراب والصبيان في الكتاب، عليك بما فطره الله عليه. فإن
الله فطر عباده على الحق، والرسل بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها، لا بتحويل الفطرة وتغييرها.
وأما أعداء الرسل
كالجهمية الفرعونية فيريدون أن يغيروا فطرة الله، ويوردون على الناس شبهات بكلمات مشتبهات لا يفهم كثير من الناس مقصودهم بها، ولا يحسن أن يجيبهم. وقد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع.
وأصل ضلالهم تكلمهم بكلمات مجملة لا أصل لها في كتاب الله ولا سنة رسوله، ولا قالها أحد من أئمة المسلمين، كلفظ التحيز والجسم والجهة ونحو ذلك، فمن كان عارفا بحل شبهاتهم بينها، ومن لم يكن عارفا بذلك فليعرض عن كلامهم، ولا يقبل إلا ما جاء به الكتاب والسنة، كما قال تعالى:
وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره .