فصل
في التوحيد
[ ص: 86 ] الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه أجمعين..
قال الشيخ الإمام العالم الزاهد القدوة المحقق
أبو العباس أحمد ابن الشيخ الإمام العالم الورع عبد الحليم ابن الشيخ الإمام العالم الورع الفاضل أبي البركات ابن تيمية رضي الله عنه وأرضاه:
فصل في التوحيد
قال الله تعالى:
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ، قد كتبنا فيما تقدم قواعد تتعلق بذلك في
توحيد الربوبية، وفي
توحيد الإلهية، وفي أنه كما يمتنع أن يكون للخلق ربان، يمتنع أن يكون له إلهان، وتكلمنا على العلل والأسباب الفاعلية والغائية، وما يتعلق بقوله:
إياك نعبد وإياك نستعين وفي أن جميع الحركات ناشئة عن المحبة التي هي حقيقة العبادة، وبسطنا الكلام في هذه المواضع بسطا شريفا نافعا كاشفا، ولله الحمد.
فنقول: إنه
يمتنع أن يكون شيئان كل منهما علة للآخر وسبب له، لما فيه من الدور القبلي، ولا يمتنع شيئان كل منهما مع الآخر بشرط فيه، وهو الدور المعي.
وقد بينا هذا في جواب مسائل الدور، وذلك أن العلة والسبب
[ ص: 88 ] والفاعل يجب أن تتقدم المعلول والمسبب والمفعول، فإذا كان هذا علة ذاك، وجب أن يكون هذا قبله. وإذا كان ذاك علة هذا وجب أن يكون ذاك قبله، فيجب أن يكون هذا قبل ذاك، وذاك قبل هذا، وهو ممتنع، إذ هذا إذا كان قبل ذاك، وذاك قبله، كان ذاك قبل قبل نفسه، وهو لو كان قبل نفسه كان ممتنعا، لالتزامه اجتماع النقيضين، إذ هو قبل نفسه معدوم، فإذا كان قبلها كان معدوما موجودا، فيلزم هنا اجتماعهما مرتين.
وكذلك إذا قيل: يلزم أن يكون ذاك قبل هذا، وهذا قبله، يلزم مثل ذلك، فيلزم أن يكون ذاك قبل قبل نفسه، وهذان الاجتماعان هما ذانك بأعيانهما، وإنما فيه التقديم والتأخير، ومضمونه أن يكون الشيء موجودا قبل أن يكون موجودا بدرجتين، فإن كون الشيء فاعلا لنفسه ممتنع، فكيف يكون فاعلا لفاعل نفسه، وكذا كونه علة نفسه يعني أن نفسه وجدت فأوجدت نفسه، وهذا الممتنع لازم في العلتين جميعا، فيلزم اجتماع النقيضين أربع مرات.