[ ص: 44 ] فصل جامع
قد كتبت فيما تقدم في مواضع مثل بعض القواعد وآخر مسودة الفقه أن
جماع الحسنات العدل ،
وجماع السيئات الظلم ، وهذا أصل جامع عظيم .
وتفصيل ذلك أن الله خلق الخلق لعبادته ، فهذا هو المقصود المطلوب بجميع الحسنات ، وهو إخلاص الدين كله لله ، وما لم يحصل فيه هذا المقصود فليس حسنة مطلقة مستوجبة لثواب الله في الآخرة ، وإن كان حسنة من بعض الوجوه له ثواب في الدنيا ، وكل ما نهي عنه فهو زيغ وانحراف عن الاستقامة ، ووضع للشيء في غير موضعه ، فهو ظلم ، ولهذا جمع بينهما سبحانه في قوله :
قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين [الأعراف :29] .
فهذه الآية في سورة الأعراف المشتملة على أصول الدين والاعتصام بالكتاب ، وذم الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله كالشرك وتحريم الطيبات ، أو خالفوا ما شرعه الله من أمره ونهيه ، كإبليس ومخالفي الرسل من قوم نوح إلى قوم فرعون والذين بدلوا الكتاب من أهل الكتاب . فاشتملت السورة على ذم من أتى بدين باطل ككفار العرب ، ومن خالف الدين الحق كله كالكفار بالأنبياء ، أو بعضه
[ ص: 45 ] ككفار أهل الكتاب .
وقد
جمع سبحانه في هذه السورة وفي الأنعام وفي غيرهما ذنوب المشركين في نوعين : أمر بما لم يأمر الله به كالشرك ، ونهي عما لم ينه الله عنه كتحريم الطيبات . فالأول شرع من الدين لما لم يأذن الله به ، والثاني تحريم لما لم يحرمه الله .
وكذلك في الحديث الصحيح حديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى :
nindex.php?page=hadith&LINKID=885964«إني خلقت عبادي حنفاء ، فاجتالتهم الشياطين ، فحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا » .
ولهذا كان
ابتداع العبادات الباطلة من الشرك ونحوه هو الغالب على النصارى ومن ضاهاهم من منحرفة المتعبدة والمتصوفة ،
وابتداع التحريمات الباطلة هو الغالب على اليهود ومن ضاهاهم من منحرفة المتفقهة ، بل أصل دين اليهود فيه آصار وأغلال من التحريمات . ولهذا قال لهم المسيح :
ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم [آل عمران :50] . وأصل دين النصارى فيه تأله بألفاظ متشابهة وبأفعال مجملة . فالذين في قلوبهم زيغ اتبعوا ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله .