61 - ( فصل )
والتحليف ثلاثة أقسام تحليف المدعي ، وتحليف المدعى عليه ، وتحليف الشاهد . فأما
تحليف المدعي : ففي صور : أحدها : القسامة ، وهي نوعان : قسامة في الدماء ، وقد دلت عليها السنة الصحيحة الصريحة ، وأنه يبدأ فيها بأيمان المدعين ، ويحكم فيها بالقصاص ، كمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد في إحدى الروايتين ، والنزاع فيها مشهور قديما وحديثا .
والثانية : القسامة مع اللوث في الأموال ، وقد دل عليها القرآن ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى .
وقد قال أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : إذا
أغار قوم على بيت رجل وأخذوا ما فيه ، والناس ينظرون إليهم ، ولم يشهدوا على معاينة ما أخذوا ، ولكنهم علموا أنهم أغاروا وانتهبوا . فقال
ابن القاسم وابن الماجشون : القول قول المنتهب مع يمينه ; لأن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا قال في
منتهب الصرة يختلفان في عددها : القول قول المنتهب مع يمينه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف nindex.php?page=showalam&ids=13469وابن كنانة وابن حبيب : القول قول المنتهب منه مع يمينه فيما يشتبه ويحتمل على الظالم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف : ومن أخذ من المغيرين ضمن ما أخذه رفاقه ; لأن بعضهم عون لبعض - كالسراق والمحاربين ، ولو أخذوا جميعا وهم أملياء ، فيضمن كل واحد ما ينو به ، وقاله
ابن الماجشون وأصبغ في الضمان . قالوا : والمغيرون كالمحاربين إذا شهروا السلاح على وجه المكابرة : كان ذلك على تأمرة بينهم ،
[ ص: 123 ] أو على وجه الفساد ، وكذلك والي البلد يغير على بعض أهل ولايته وينتهب ظلما مثل ذلك في المغيرين .
وقال
ابن القاسم : ولو ثبت أن
رجلين غصبا عبدا فمات ، لزم أخذ قيمته من المليء ، ويتبع المليء ذمة رفيقه المعدم بما ينوبه . وأما دلالة القرآن على ذلك : فقال
شيخنا قدس الله روحه : لما ادعى ورثة السهمي الجام المفضض المخوص ، وأنكر الوصيان الشاهدان أنه كان هناك جام ، وظهر الجام المدعى ، وذكر مشتريه أنه اشتراه من الوصيين : صار هذا لوثا يقوي دعوى المدعيين ، فإذا حلف الأوليان بأن الجام كان لصاحبهم : صدقا في ذلك . وهذا لوث في الأموال ، نظير اللوث في الدماء ، لكن هناك ردت اليمين على المدعي ، بعد أن حلف المدعى عليه ، فصارت يمين المطلوب وجودها كعدمها ، كما أنه في الدم لا يستحلف ابتداء ، وفي كلا الموضعين يعطى المدعي بدعواه مع يمينه ، وإن كان المطلوب حالفا ، أو باذلا للحلف .
وفي استحلاف الله للأوليين دليل على مثل ذلك في الدم ، حتى تصير يمين الأوليين مقابلة ليمين المطلوبين ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18175حلفا أن الجام لصاحبهم } .
وفي حديث
عكرمة : {
ادعيا أنهما اشترياه منه ، فحلف الأوليان ; أنهما ما كتما وغيبا } ، فكان في هذه الرواية أنه لما ظهر كذبهما بأنه لم يكن له جام ردت الأيمان على المدعيين في جميع ما ادعوا . فجنس هذا الباب : أن المطلوب إذا حلف ، ثم ظهر كذبه : هل يقضى للمدعي بيمينه فيما يدعيه ; لأن اليمين المشروعة في جانب الأقوى ، فإذا ظهر صدق المدعي في البعض وكذب المطلوب : قوي جانب المدعي ، فحلف كما يحلف مع الشاهد الواحد ، وكما يحلف صاحب اليد العرفية مقدما على اليد الحسية ، انتهى .
والحكم باللوث في الأموال أقوى منه في الدماء ، فإن طرق ثبوتها أوسع من طرق ثبوت الدماء ، لأنها تثبت بالشاهد واليمين ، والرجل والمرأتين ، والنكول مع الرد ، وبدونه ، وغير ذلك من الطرق ، وإذا حكمنا بالعمامة لمن هو مكشوف الرأس وأمامه رجل عليه عمامة وبيده أخرى وهو هارب : فإنما ذلك باللوث الظاهر القائم مقام الشاهدين ، وأقوى منهما بكثير . واللوث علامة ظاهر لصدق المدعي ، وقد اعتبرها الشارع في اللقطة ، وفي النسب ، وفي استحقاق السلب إذا ادعى اثنان قتل الكافر ، وكان أثر الدم في سيف أحدهما أدل منه في سيف الآخر ، كما تقدم . وعلى هذا : فإذا ادعى عليه سرقة ماله ، فأنكر وحلف له ، ثم ظهر معه المسروق : حلف المدعي ، وكانت يمينه أولى من يمين المدعى عليه ، وكان حكمه حكم استحقاق الدم في القسامة .
وعلى هذا ، فلو طلب من الوالي أن يضربه ليحضر باقي المسروق فله ذلك .
[ ص: 124 ] كما عاقب النبي صلى الله عليه وسلم
عم حيي بن أخطب ، حتى أحضر كنز
ابن أبي الحقيق كما تقدم .
والثانية : إذا ردت اليمين إليه .
والثالثة : إذا شهد له شاهد واحد حلف معه واستحق ، كما تقدم .
والرابعة : في مسألة تداعي الزوجين والصانعين ، فيحكم لكل واحد منهما بما يصلح له مع يمينه .
والخامسة : تحليفه مع شاهديه . وقد اختلف السلف في ذلك ، فقال
شريح بن يونس في " كتاب القضاء " له : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17249هشيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11814الشيباني ، عن
الشعبي .
قال : كان
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح يستحلف الرجل مع بينته . حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17249هشيم ، عن
أشعث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16735عون بن عبد الله : أنه استحلف رجلا مع بينته ، فكأنه أبى أن يحلف ، فقال : ما كنت لأقضي لك بما لا تحلف عليه ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عتبة والشعبي .
قال
أبو عبيد : إنما ترى
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريحا أوجب اليمين على الطالب مع بينته ، حين رأى الناس مدخولين في معاملتهم ، واحتاط لذلك ، حدثنا
عبد الرحمن عن
سفيان ، عن
ابن هاشم ، عن
أبي البختري قال : قيل
nindex.php?page=showalam&ids=16097لشريح : ما هذا الذي أحدثت في القضاء ؟ قال : رأيت الناس أحدثوا فأحدثت .
قال
الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن حيي : يستحلف الرجل مع بينته .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى عن
الحكم عن
حبيش " أن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا استحلف
عبد الله بن الحسن مع بينته " وأنه استحلف رجلا مع بينته ، فأبى أن يحلف ، فقال : " لا أقضي لك بما لا تحلف عليه " .
وهذا القول ليس ببعيد من قواعد الشرع ، ولا سيما مع احتمال التهمة . ويخرج في مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وجهان : فإن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد سئل عنه فقال : قد فعله
nindex.php?page=showalam&ids=8علي والصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، وفيما إذا سئل عن مسألة فقال : قال فيها بعض الصحابة كذا : وجهان ذكرهما
ابن حامد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14243الخلال في " الجامع " : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17002محمد بن علي ، حدثنا
مهنا ، قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله عن الرجل يقيم الشهود ، أيستقيم للحاكم أن يقول لصاحب الشهود : احلف ؟ فقال : قد فعل ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، قلت : من ذكره ؟ قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15730حفص بن غياث ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، عن
الحكم ، عن
حبيش .
قال : استحلف
nindex.php?page=showalam&ids=8علي عبد الله بن الحسن مع الشهود ، فقلت : يستقيم هذا ؟ قال : قد فعله
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه . وهذا القول يقوى مع وجود التهمة ، وأما بدون التهمة فلا وجه له ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للمدعي : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20514شاهداك أو يمينه ، فقال : يا رسول الله ، إنه فاجر لا يبالي ما حلف عليه ، فقال : ليس لك إلا ذلك } .