سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الثامن عشر : في حكمه صلى الله عليه وسلم في حد السرقة :

روى الإمام أحمد والشيخان والأربعة والدارقطني عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق ، في ربع دينار فصاعدا .

وروى الشيخان والنسائي عنها قالت : لم تقطع يد سارق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدنى من ترس أو جحفة ، وكان كل واحد منهما ذا ثمن .

وروى الأئمة عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع يد سارق في مجن قيمته وفي رواية ثمنه ثلاثة دراهم .

وروى الإمام أحمد والدارقطني عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في قيمة خمسة دراهم .

وروى الثلاثة عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الثمر المعلق ؟ قال : «من سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع» .

وروى النسائي عن رافع بن خديج قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لا قطع في كثر ولا ثمر» .

وروى الإمام مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا قطع في ثمر معلق ، ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين ، فالقطع فيما يبلغ ثمن المجن» .

وروى الإمامان الشافعي وأحمد والترمذي والدارقطني عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا قطع في ثمر معلق فإذا آواه الجرين ففيه القطع» .

وروى الطبراني والإمامان والشافعي وأحمد والأربعة ومحمد بن يحيى وابن حبان- رحمه الله تعالى- أن عبدا سرق وديا من حائط رجل فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الودي يلتمس وديه ، فوجده ، فاستعدى على العبد مروان بن الحكم فسجن العبد وأراد قطع [ ص: 206 ] يده فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج ، فأخبره عن ذلك .

فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لا قطع في ثمر ولا كثر» .

وروى أبو داود والنسائي والدارقطني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقال : «اقتلوه» ، قالوا : يا رسول الله ، إنما سرق ، فقال : «اقطعوه» فقطعوه ثم أتي به في الثانية فقال : «اقتلوه» ، قالوا : يا رسول الله ، إنما سرق فقال : «اقطعوه» ، فقطعوه . ثم أتي به في الثالثة والرابعة ، ففعل به كذلك ، فأتي به في الخامسة فقال «اقتلوه» .

قال جابر : فانطلقنا به إلى مربد الغنم ، فاستلقى على ظهره ثم كشر بيده ورجله ، فانصدعت الإبل ثم حملوا عليه الثانية ، ففعلوا به مثل ذلك ثم حملوا عليه الثالثة ، فرميناه بالحجارة ثم ألقيناه في بئر ثم رمينا عليه بالحجارة .


قالوا وهذا الحديث لا يصح وكذا أحاديث قتل السارق .

وروى البيهقي والحارث بن أبي أسامة عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وابن سابط الأحول- رحمهما الله تعالى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بعبد قيل : هذا سرق ، وقامت عليه البينة ووجدت معه سرقته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هذا عبد لأيتام ليس لهم مال غيره فتركه ثم أتي به الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة فتركه أربع مرات ثم أتي به الخامسة فقطع يده ثم أتي به السادسة فقطع رجله ثم السابعة فقطع يده ، ثم الثامنة فقطع رجله قال الحارث أربع بأربع عافاه مع أربع وعقابه أربع»

قال البيهقي : كأنه لم ير بلوغه في المراتب الأربع أو لم ير سرقته بلغت ما يوجب القطع ثم رآه توجبه في المرات الأخيرة .

روى أبو يعلى والنسائي عن الحارث بن الحاطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلص فقال : اقتلوه ، فقالوا : يا رسول الله ، إنما سرق فقال اقتلوه ، قالوا : يا رسول الله ، إنما سرق ، قال : اقطعوا يده ، قال : ثم سرق فقطعت رجله ، ثم سرق على عهد أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- حتى قطعت قوائمه كلها ، ثم سرق أيضا الخامسة فقال أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال : «اقتلوه ، ثم دفعه إلي فتية من قريش ليقتلوه منهم عبد الله بن الزبير ، وكان يحب الإمارة» ، فقال : أمروني عليكم فأمروه عليهم ، فكان إذا ضرب ضربوه حتى قتلوه [ ص: 207 ]

وروى الدارقطني عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذا سرق السارق ، فاقطعوا يده ، فإن عاد فاقطعوا رجله ، فإن عاد فاقطعوا يده ، فإن عاد فاقطعوا رجله .

روى الحميدي وأبو يعلى عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- قال : أول من قطع في الإسلام- أو من المسلمين- رجل من الأنصار أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل : يا رسول الله ، إنه ، سارق ، فقال : اقطعوه ، فكأنما أسف وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ذر عليه رمادا فقيل : يا رسول الله ، كأنك كرهت قطعه ، قال : وما يمنعني ، لا تكونوا من أعوان الشيطان ، إن الله عفو يحب العفو ، إنه لا ينبغي لولي أن يولى بحد إلا أقامه .

وروى أبو يعلى عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال : «أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد سرق فأمر بقطعه ، ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل : يا رسول الله ، تبكي فقال : «وكيف لا أبكي وأمتي تقطع بين أظهركم» ؟ قالوا : يا رسول الله ، ألا عفوت عنه ، قال : ذلك سلطان سوء الذي يعفو عن الحدود ، ولكن تعافوا بينكم .

وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذا سرق العبد فبعه ولو بنش» .

وروى ابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه وقال : «مال الله تعالى سرق بعضه بعضا» .

وروى أبو داود عن أزهر بن عبد الله الحرازي عن النعمان بن بشير أنه رفع إليه نفر من الكلاعيين أن حاكة سرقوا متاعا ، فحبسهم أياما ، ثم خلى سبيلهم ، فأتوه فقالوا : خليت سبيل هؤلاء بلا امتحان ولا ضرب فقال النعمان : ما شئتم إن شئتم أضربهم ، فإن أخرج الله متاعكم فذاك وإلا أخذت من ظهوركم مثله قالوا هذا حكمك قال : هذا حكم الله- عز وجل- ورسوله صلى الله عليه وسلم .

وروى النسائي والدارقطني عن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد» [ ص: 208 ]

وروى الأربعة والدارقطني عن فضالة بن عبيد الله- رضي الله تعالى عنه- قال : جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق ، فقطعت يده ، ثم أمر بها فعلقت في عنقه .

وروى الإمام أحمد والنسائي والدارقطني عن أسيد بن الحضير- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أنه إذا وجدناه يعني السرقة في يد الرجل غير المتهم ، فإن شاء أخذها بما اشتراها ، وإن شاء أتبع سارقه وقضى بذلك أبو بكر وعمر وعثمان- رضي الله تعالى عنهم- .

وروى أبو داود والنسائي عن جنادة بن أبي أمية قال : كنا مع بسر بن أرطأة في البحر فأتى بسارق يقال له : مصدر ، قد سرق بختية ، فقال : قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لا تقطع الأيدي في السفر» ولولا ذلك لقطعته» .

وروى الدارقطني عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل يسرق الصبيان ، ثم يخرج فيبيعهم في أرض أخرى فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت يده .

التاسع عشر : في حد السكران :

روى أبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين ، فلما ولي عمر دعا الناس من الريف فقال : ما ترون في حد الخمر فقال عبد الرحمن بن عوف أرى أن تجعلها كأخف الحدود قال : فجلد عمر ثمانين .

وروي أن الذي أشار عليه بذلك علي ففعل عمر .

وروى الإمام أحمد عن أبي سيعد - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل في شراب فضربه بنعلين أربعين .

وروى نحوه الترمذي وحسنه .

وروى الإمام أحمد عنه قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل نشوان قال : إني لم أشرب خمرا إنما شربت زبيبا وتمرا في دباءة ، فقال فأمر به فنهز بالأيدي ، وخفق بالنعال ونهى عن الدباء وعن الزبيب والتمر يعني أن يخلطا .

روى البيهقي والإمام وأبو داود والدارقطني عن عبد الرحمن بن أزهر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة الفتح إذ أتي برجل قد شرب الخمر ، فقال الناس : اضربوه ، فمنهم من ضربه [ ص: 209 ] بالنعال ، ومنهم من ضربه بالعصا ، ومنهم من ضربه بالسوط ، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترابا من الأرض فرمى به في وجهه .

وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن معاوية والإمام أحمد عن ابن عمر وأحمد والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة وأحمد وابن إدريس والشافعي وأبو داود عن قبيصة بن ذؤيب- رضي الله تعالى عنهم- قال : من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه ، فإن عاد ، فاجلدوه ، فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه .

وروى الإمامان الشافعي وأحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي والدارقطني عن حصين بن المنذر الرقاشي «هو أبو ساسان» قال شهدت عثمان بن عفان أتي بالوليد بن عقبة ، فشهد عليه حمران ورجل آخر ، فشهد أحدهما أنه رآه شربها يعني الخمر ، وشهد الآخر أن رآه يتقيئها ، فقال عثمان : إنه لم يتقيئها حتى شربها فقال لعلي- رضي الله تعالى عنه- : أقم عليه الحد ، فقال علي للحسن : أقم عليه الحد ، فقال الحسن : ول حارها من تولى قارسها ، فقال علي لعبد الله بن جعفر : أقم عليه الحد ، قال : فأخذ السوط فجلده وعلي يعد فلما بلغ أربعين ، أحسبه ، قال : وجلد أبو بكر أربعين ، وعمر ثمانين ، وكل سنة ، وهذا أحب إلي .

وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر ، فجلد بجريدة نحو أربعين .

وروى البخاري عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا كان اسمه عبد الله ، وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب ، فأتي به يوما ، فأمر به فجلد فقال رجل من القوم : اللهم ، العنه ، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تلعنوه ، فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله» .

وروى البخاري وأبو داود عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسكران فأمر بضربه ، فمنا من يضربه بيده ، ومنا من يضربه بنعله ، ومنا من يضربه بثوبه ، فلما انصرف ، قال رجل : ما له ، أخزاه الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم» .

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- قال رسول [ ص: 210 ] الله صلى الله عليه وسلم لم يفت في الخمر حدا قال ابن عباس : شرب رجل فسكر ، فلقي يميل في الفج ، فانطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما حاذى دار العباس انفلت فدخل على العباس فالتزمه ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك وقال أفعلها ؟ ولم يأمر فيه بشيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية