[ ص: 326 ] الباب السابع في
مشي قريش إلى أبي طالب ليكف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري nindex.php?page=showalam&ids=12563وابن إسحاق : فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالإسلام وصدع به كما أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه ، حتى ذكر آلهتهم وعابها .
قال العتقي : وكان ذلك سنة أربع .
فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه وأجمعوا لخلافه وعداوته إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام وهم قليل مستخفون .
وحدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طالب ومنعه وقام دونه ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله مظهرا لأمره لا يرده عنه شيء .
فلما رأت
قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه من فراقهم وعيب آلهتهم ، ورأوا أن عمه
أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه ولم يسلمه لهم ، مشى رجال من أشرافهم إلى
أبي طالب فقالوا : يا
أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فإما أن تكفه وإما أن تخلي بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه . فقال لهم
أبو طالب قولا رفيقا وردهم ردا جميلا .
فانصرفوا عنه .
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه ثم شري الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا وأكثرت
قريش من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه .
ثم إنهم مشوا إلى
أبي طالب مرة أخرى فقالوا له : يا
أبا طالب إن لك سنا وإن لك شرفا ومنزلة فينا ، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين . أو كما قالوا له . ثم انصرفوا عنه .
فعظم على
أبي طالب فراق قومه وعداوتهم ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خذلانه ، فأرسل خلفه فقال : يا ابن أخي إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا . للذي كانوا قالوا له . فأبق على نفسك وعلي ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق .
فظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بدا لعمه فيه بداء وأنه خاذله ومسلمه ، وأنه قد ضعف عن
[ ص: 327 ]
نصرته والقيام معه .
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما ولى ناداه أبو طالب : اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبدا .
ثم قال
أبو طالب :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا فامضي لأمرك ما عليك غضاضة
وابشر وقر بذاك منك عيونا ودعوتني وزعمت أنك ناصحي
فلقد صدقت وكنت ثم أمينا لولا الملامة أو حذاري سبة
لوجدتني سمحا بذاك مبينا
قال في الروض : خص رسول الله صلى الله عليه وسلم الشمس باليمين لأنه الآية المبصرة وخص القمر بالشمال لأنه الآية الممحوة . وخص صلى الله عليه وسلم النيرين حين ضرب المثل بهما لأن نورهما محسوس ، فالنور الذي جاء به من عند الله تعالى :
يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره [التوبة 32] فاقتضت بلاغة النبوة لما أرادوه على ترك النور الأعلى أن يقابله بالنور الأدنى وأن يخص أعلى النيرين وهي الآية المبصرة بأشرف اليدين وهي اليمين ، بلاغة لا مثلها وحكمة لا يجهل اللبيب فضلها . انتهى .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : ثم إن
قريشا حين عرفوا أن
أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه ، وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا إليه
بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا له : يا
أبا طالب هذا
عمارة بن الوليد أنهد فتى في
قريش وأجمله ، فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولدا فهو لك ، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف ديننا ودين آبائك وفرق جماعة من قومك وسفه أحلامهم فنقتله فإنما هو رجل برجل .
قال : والله لبئس ما تسومونني! أتعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه! هذا والله ما لا يكون أبدا ، أرأيتم ناقة تحن إلى غير فصيلها؟
فقال
المطعم بن عدي بن نوفل : والله يا
أبا طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على التخلص مما تكره ، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا . فقال
أبو طالب للمطعم : والله ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك أو كما قال . فحقب الأمر وحميت الحرب وتنابذ القوم وبادر بعضهم بعضا .
فقال
أبو طالب يعرض
بالمطعم بن عدي ويعم من خذله من
بني عبد مناف ومن عاداه
[ ص: 328 ] من قبائل
قريش ويذكر ما سألوه وما تباعد من أمرهم :
ألا قل لعمرو والوليد ومطعم ألا ليت حظي من حياطتكم بكر
من الخور خبخاب كثير رغاؤه يرش على الساقين من بوله قطر
تخلف خلف الورد ليس بلاحق إذا ما علا الفيفاء قيل : له وبر
أرى أخوينا من أبينا وأمنا إذا سئلا قالا إلى غيرنا الأمر
بلى لهما ولكن تجرجما كما جرجمت من رأس ذي علق صخر
أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا هما نبذانا مثل ما نبذ الجمر
هما أغمزا للقوم في أخويهما فقد أصبحا منهم أكفهما صفر
هما أشركا في المجد من لا أبا له من الناس إلا أن يرس له ذكر
وتيم ومخزوم وزهرة منهم وكانوا لنا مولى إذا بغي النصر
فوالله لا تنفك منا عداوة ولا منهم ما كان من نسلنا شفر
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : ثم إن
قريشا تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا ،
فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ، ومنع الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بعمه
أبي طالب .
وقد قام
أبو طالب حين رأى
قريشا يصنعون ما يصنعون في
بني هاشم وبني المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام دونه فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه ، إلا ما كان من
أبي لهب -عدو الله- الملعون .
فلما رأى
أبو طالب من قومه ما سره في جدهم معه وحدبهم عليه جعل يمدحهم ويذكر فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ومكانه منهم ليشد لهم رأيهم وليحدبوا معه على أمره فقال :
إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر فعبد مناف سرها وصميمها
وإن حصلت أشراف عبد منافها ففي هاشم أشرافها وقديمها
وإن فخرت يوما فإن محمدا هو المصطفى من سرها وكريمها
تداعت قريش غثها وسمينها علينا فلم تظفر وطاشت حلومها
وكنا قديما لا نقر ظلامة إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها
[ ص: 329 ] ونحمي حماها كل يوم كريهة ونضرب عن أحجارها من يرومها
بنا انتعش العود الذواء وإنما بأكتافنا تندى وتنمى أرومها