ومن الأحداث في زمان عيسى عليه السلام نزول المائدة :
أخبرنا
هبة بن محمد بن الحصين ، قال: أخبرنا
أبو طالب: محمد بن غيلان ، قال: أخبرنا
أبو بكر: محمد بن عبد الله الشافعي ، قال: حدثنا
أحمد بن يوسف ، قال: أخبرنا
بحر بن نصر ، قال: أخبرنا
عافية بن أيوب ، عن
سعيد بن عبد العزيز بن أبي عثمان المهدي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان الفارسي ، قال: لما سأل
الحواريون عيسى أن ينزل الله تعالى لهم المائدة ، قام
عيسى فألقى الصوف عنه ولبس الشعر والتحفه ، ووضع يمينه على شماله ووضعهما على صدره ، وصف بين قدميه وألصق الكعب بالكعب والإبهام بالإبهام ، وخفض رأسه خاشعا ، ثم أرسل عينه بالبكاء حتى سالت الدموع على لحيته ، وجعلت تقطر على صدره ، وقال:
اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا فيكون عطية منك لنا علامة منك وبيننا وبينك ، وارزقنا عليها طعاما نأكله .
قال: فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين: غمامة من فوقها ، وغمامة من تحتها ، وهم ينظرون إليها تهوي منقضة في الهواء ،
وعيسى يبكي ويقول: إلهي اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا . حتى استقرت بين يدي
عيسى والناس حوله يجدون ريحا طيبة لم
[ ص: 35 ] يجدوا مثلها قط ، فخر
عيسى ساجدا لله عز وجل وخر
الحواريون معه ، فبلغ ذلك
اليهود فأقبلوا ينظرون ، فرأوا أمرا عجيبا ، وإذا منديل مغطى على السفرة ، فجاء
عيسى فجلس فقال: من أجرأنا [ و ] أوثقنا بنفسه وأحسننا بلاء وأوثقنا عند ربه فليكشف عن هذه الآية حتى ننظر ونأكل ؟ فقال
الحواريون : أنت أولى بذلك يا روح الله وكلمته .
قال: فتوضأ
عيسى وضوءا جديدا ودعا ربه دعاء كثيرا وبكى بكاء طويلا ، ثم قام حتى جلس عند السفرة ، فإذا سمكة ليس فيها شوك وقد رصت حولها من البقول ، وإذا عند رأسها خل وعند ذنبها ملح وخمسة أرغفة ، على كل واحد منها زيتون وخمس رمانات ، فقال
شمعون رأس
الحواريين : يا روح الله ، أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الجنة ؟ فقال
عيسى : سبحان الله ، أما تنتهون ؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا . فقال
شمعون : لا [ والله ] إله
بني إسرائيل ما أردت بهذا سوءا قال
عيسى : ليس ما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة ، إنما هو شيء ابتدعه الله عز وجل [ بالقدرة ] فقال له: كن فكان ، فكلوا ما سألتم واحمدوا عليه ربكم .
فقالوا: يا روح الله ، إن أريتنا [ اليوم ] آية من هذه السمكة ، فقال: يا سمكة احيي بإذن الله تعالى . فاضطربت السمكة طرية ، تدور عيناها تبصبص ، تلمظ بفيها كما يتلمظ السبع . ثم قال: عودي كما كنت بإذن الله . فعادت مشوية في حالها .
فقالوا: يا روح الله ، كن أنت أول من يأكل منها ، فقال: معاذ الله أن آكل منها ، ولكن يأكل منها من سألها ، فعرف
الحواريون [ أن تكون ] إنما أنزلت سخطة ، فلم
[ ص: 36 ] يأكلوا ، فدعا لها
عيسى أهل الفاقة ، والزمانة والعميان ، والمجذومين ، والبرص ، والمقعدين ، وأصحاب الماء الأصفر ، والمجانين والمختلين ، فقال: كلوا من رزق ربكم ، ودعوة نبيكم ليكون المهنأ لكم والبلاء و [ العقوبة ] لغيركم .
فصدر عنها ألف وثلاثمائة رجل [ وامرأة ] كلهم شبعان يتجشأ ، وإذا ما عليها كهيئته حين نزلت من السماء . ورفعت السفرة إلى السماء وهم ينظرون إليها ، فاستغنى كل فقير أكل منها يومئذ ، وبرأ كل زمن من زمانته ، وندم
الحواريون وسائر من أبى أن يأكل منها ، فكانت إذا نزلت بعد ذلك أقبلوا إليها من كل مكان ، الأغنياء والفقراء ، والرجال والنساء ، والمرضى والأصحاء . فلما رأى
عيسى ذلك جعلها نوبا بينهم ، وكانت تنزل يوما ولا تنزل يوما .
فلبثت كذلك أربعين صباحا تغيب يوما وتنزل يوما يؤكل منها ، حتى إذا فاء الفيء ارتفعت إلى السماء وهم ينظرون إلى ظلها حتى توارى عنهم ، فأوحى الله إلى
عيسى : أن اجعل مائدتي رزقا لليتامى والزمنى دون الأغنياء من الناس . فلما فعل ذلك بهم عظم على الأغنياء ، وأذاعوا القبيح حتى شكوا وشككوا الناس ، حتى قال قائلهم: يا روح الله ، بحق أنها تنزل من عند الله ؟ فقال [
عيسى ]: ويحكم هلكتم ، سترون العذاب إن لم يرحمكم الله تعالى .
فأوحى الله تعالى إلى
عيسى ابن مريم عليه السلام : إني آخذ بشرطي من
[ ص: 37 ] المكذبين الذين اشترطت عليهم أني معذب من كفر منهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين .
فمسخ الله تعالى منهم ثلاثة وثلاثين خنازير من ليلتهم ، فأصبحوا يأكلون ما في الحشوش ويأتون إلى
عيسى [ عليه السلام ] فينظرون إليه وأعينهم تسيل دمعا ، فيقول
عيسى : يا فلان يا فلان ، قد كنت أخوفكم عذاب الله وعقوبته ، وسأل ربه أن يميتهم ، فأماتهم بعد ثلاثة أيام .