[ ص: 290 ] فصل ( في
حق المسلم على المسلم ) .
ومما للمسلم على المسلم أن يستر عورته ، ويغفر زلته ، ويرحم عبرته ، ويقيل عثرته ، ويقبل معذرته ، ويرد غيبته ، ويديم نصيحته ، ويحفظ خلته ، ويرعى ذمته ، ويجيب دعوته ، ويقبل هديته ، ويكافئ صلته ، ويشكر نعمته ، ويحسن نصرته ، ويقضي حاجته ، ويشفع مسألته ، ويشمت عطسته ، ويرد ضالته ، ويواليه ، ولا يعاديه ، وينصره على ظالمه ، ويكفه عن ظلمه غيره ، ولا يسلمه ، ولا يخذله ، ويحب له ما يحب لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه ذكر ذلك في الرعاية .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15772حنبل سمعت
أبا عبد الله قال :
وليس على المسلم نصح الذمي ، وعليه نصح المسلم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39888والنصح لكل مسلم } ومراده والله أعلم أنها فرض على الكفاية وقال
المروذي : سمعت
أبا عبد الله يقول : قال رجل
nindex.php?page=showalam&ids=17074لمسعر : تحب أن تنصح ؟ قال : أما من ناصح فنعم ، وأما من شامت فلا . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في بهجة المجالس عن
nindex.php?page=showalam&ids=17074مسعر قال : رحم الله من أهدى إلي عيوبي في سر بيني وبينه ، فإن النصيحة في الملأ تقريع .
nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري مرفوعا : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11030إن الدين النصيحة قلنا : لمن يا رسول الله قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم } وليس في
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في أوله " إن "
ولأبي داود {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11030إن الدين النصيحة } وكرره ثلاثا وذكره .
nindex.php?page=showalam&ids=15395وللنسائي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39592وإنما الدين النصيحة } وذكره . فظاهره أن مدار الدين والإسلام على هذا الخبر .
وقاله بعضهم ، وذكر جماعة أنه أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمر الإسلام .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي :
[ ص: 291 ] معنى الحديث قوام الدين وعماده النصيحة كقوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14046الحج عرفة }
nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد بإسناد ضعيف عن
أبي أمامة مرفوعا قال الله عز وجل : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=561أحب ما تعبد لي به عبدي النصح لي } وقال
جرير : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=41523بايعت رسول الله على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وزاد بعد قوله : والطاعة فلقنني " فيما استطعت " ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي nindex.php?page=showalam&ids=12251كأحمد وزاد وعلى فراق الشرك .
قيل : النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنسوج له بما يسده من خلل الثوب ، وقيل : من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع ، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط .
وظاهر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد والأصحاب وجوب النصح للمسلم ، وإن لم يسأله ذلك كما هو ظاهر الإخبار
nindex.php?page=showalam&ids=17080ولمسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=249معقل بن يسار مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34637ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجتهد لهم وينصح إلا لم يدخل الجنة معهم } فقد يقال : ظاهره أن وجوب النصح يتوقف على السؤال ، وقد يقال : لا بل خص الأمير هذا لأنه أخص . لكن روى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18141حق المسلم على المسلم ست وفيه فإذا استنصحك فانصح له } وهذا أولى ولأنه ليس بإقرار على محرم ولا يلزمه قبول قوله بخلاف إنكار المنكر .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في تاريخه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك أنه قيل له : التاجر يدخل عليه رجل مفلس وأنا أعرفه ، ولا يعرفه أسكت أم أخبره ، قال لو أن خناقا صحبك ، وأنت لا تعرفه وأنا أعرفه أأسكت حتى يقتلك ؟ وعن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31175لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } متفق عليه . وإن ظن أن لا يقبل نصحه أو خاف أذى منه فيتوجه أن يقال فيه ما سبق في الأمر بالمعروف .
وروى
أبو داود في باب النصيحة حدثنا
الربيع بن سليمان المؤذن حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان يعني ابن بلال عن
كثير بن زيد عن
الوليد بن رباح [ ص: 292 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15076المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه }
كثير حسن الحديث عند الأكثر .
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34937مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } .
nindex.php?page=showalam&ids=17080ولمسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15211المسلمون كرجل واحد إذا اشتكى عينه اشتكى كله ، وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله } وفي الصحيحين من حديث
أبي موسى : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15069المؤمن للمؤمن كالبنيان } وفي لفظ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=118727كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه } .
وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15185المستشار مؤتمن } رواه
أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه وللترمذي مثله من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة nindex.php?page=showalam&ids=13478ولابن ماجه مثله من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وله من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9595وإذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه } .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36355من دل على خير فله مثل أجر فاعله } وذكر
أبو بكر عبد العزيز بن جعفر أن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل قال لولديه : اكتبا من سلم علينا ممن حج فإذا قدم سلمنا عليه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابن عقيل : هذا محمول منه على صيانة العلم لا على الكبر .
وقال
ابن الصيرفي من أصحابنا في النوادر نقل عنه ولده
صالح أنه قال : انظروا إلى الذين جاءوا مسلمين علينا فنمضي بعد نسلم عليهم قال القاضي وذلك أنه جعل مضيه إليهم في مقابلة مضيهم إليه ولم يستحب أن يبدأهم بالمضي .
وقال
عبد الله الحماني الرجل يخرج إلى
مكة لا يجيء يسلم علي أمضي أسلم عليه قال : لا إلا أن يكون ذا علم أو هاشميا أو إنسانا يخاف شره وقال
المروذي : قال لي
محمد بن مقاتل : قل
لأبي عبد الله رق على هذا الخلق واجعلهم في حل فقد وجبت نصرتك فقلت :
لأبي عبد الله فجعل يقول : هذا رجل صالح قال
المروذي ، معنى كلام
أبي عبد الله لم يستحلني أحد من العلماء غيره .
[ ص: 293 ]
وفي مسائل هذا الفصل أحاديث مشهورة وروى
أبو داود في ( باب من رد عن مسلم غيبة ) حدثنا
علي بن نصر حدثنا
عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا أبي حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13999الجريري عن
أبي عبد الله الجشمي حدثنا
جندب قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17419جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها ثم دخل المسجد فصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أثار راحلته ، فأطلقها ، ثم ركب ، ثم نادى اللهم ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتنا أحدا . فقال رسول الله : صلى الله عليه وسلم أتقولون هو أضل أم بعيره ؟ ألم تسمعوا إلى ما قال ؟ الجشمي } تفرد عنه
nindex.php?page=showalam&ids=13999الجريري .
وظاهر كلام أصحابنا أن نصر المظلوم واجب وإن كان ظالما في شيء آخر وإن ظلمه في شيء لا يمنع نصره على ظالمه في شيء آخر ، وهو ظاهر الأدلة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14243الخلال : باب ما يكره من معاونة الظالم قال
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم : سمعت
أبا عبد الله يسأل عن رجل جحد آخر ميراثا له في يديه ثم عدا عليه رجل آخر وظلمه في شيء آخر غير هذا الميراث وله قرابة فاستغاثهم على ظالمه فقالوا : إنا نخاف أن نعينك على ظلامتك هذه فلسنا بفاعلين حتى ترد إلى أختك ميراثها ، فإن فعلت أعناك على هذا الذي ظلمك قال : ما أعرف ما تقولون وما لهذه عندي ميراث . فقال : لا . ما يعجبني أن يعينوه ، أخشى أن يجترئ ، لا ، ولكن يدعوه حتى ينكسر فيرد على هذه قيل له وهم قرابته وقد علموا أن هذا قد ظلمه قال : لا يعينوه حتى يؤدي إلى تلك لعله أن ينتهي بهذا .
وقال
محمد بن أبي حرب : سألت
أبا عبد الله عن رجل ظالم ظلمه رجل أعينه عليه ؟ قال : لا حتى يرجع عن ظلمه .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14243الخلال في كتاب العلم أخبرنا
أحمد بن الحسن بن عبد الوهاب حدثنا
أبو بكر بن حماد المنقري حدثنا
أبو ثابت الخطاب قال : لقيني
أبو عبد الله فقال : من أين يا
أبا ثابت ؟ قلت : أشتري دقيقا
لأبي سليمان الجوزجاني ، فقال : تشتري
لأبي سليمان دقيقا ؟ فقلت : وما بأس ؟ فقال : ما يحل لك قال : فقلت من أي شيء تقول يا
أبا عبد الله ؟ قال : لا يحل ، تشتري دقيقا لرجل يرد
[ ص: 294 ] أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابن عقيل في الفصول : ويكره لأهل المروآت والفضائل التسرع إلى إجابة الطعام والتسامح بحضور الولائم غير الشرعية فإنه يورث دناءة وإسقاط الهيبة من نفوس الناس ، وسلام أهل الذمة المشهور على النبي صلى الله عليه وسلم استنبط منه استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم يترتب عليه مفسدة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه : الكيس العاقل ، هو الفطن المتغافل وقال بعضهم :
وإني لأعفو عن ذنوب كثيرة وفي دونها قطع الحبيب المواصل وأعرض عن ذي الذنب حتى كأنني
جهلت الذي يأتي ولست بجاهل
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان أنه قال :
صديقك حين تستغني كثير وما لك عند فقرك من صديق
وكنت إذا الصديق أراد غيظي على حنق وأشرقني بريقي
غفرت ذنوبه وصفحت عنه مخافة أن أكون بلا صديق
وقال
ابن الجوزي : وأنشد في هذا المعنى :
ومن لم يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
ومن يتتبع جاهدا كل عثرة يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
وقال
أبو فراس :
لم أؤاخذك بالجفاء لأني واثق منك بالإخاء الصحيح
وجميل العدو غير جميل وقبيح الصديق غير قبيح
وقد قيل :
لا ترج شيئا خالصا نفعه فالغيث لا يخلو من الغثاء
وقال
أبو شعيب صالح بن عمران دعا رجل
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل فقال :
[ ص: 295 ] ترى أن تعصيني بعد الإجابة قال : لا . فذهب الرجل فأقعد مع
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد من لم يشته
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أن يقعد ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عند ذلك رحم الله
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين فإنه قال : لا تكرم أخاك بما يشق عليه ، ولكن هذا أخي أكرمني بما يشق علي .
وقال
ابن الجوزي : لا ندعو من تشق عليه الإجابة وإذا حضر تأذى الحاضرون بسبب من الأسباب ، وقال : إن كان الطعام حراما فليمتنع من الإجابة ، وكذلك إذا كان منكر وكذلك إذا كان الداعي ظالما أو فاسقا أو مبتدعا أو مفاخرا بدعوته وذكر أيضا في موضع آخر أنه إذا كان في الضيافة مبتدع يتكلم ببدعته لم يجز الحضور معه إلا لمن يقدم على الرد عليه ، وإن لم يتكلم المبتدع جاز الحضور معه مع إظهار الكراهة له والإعراض عنه ، وإن كان هناك مضحك بالفحش والكذب لم يجز الحضور ، ويجب الإنكار فإن كان مع ذلك مزح لا كذب فيه ، ولا فحش أبيح ما يقل من ذلك ، فأما اتخاذه صناعة وعادة فيمتنع منه .
وقال
أبو داود باب في طعام المتباريين حدثنا
هارون بن زيد بن أبي الزرقاء أنبأنا أبي حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15627جرير بن حازم عن
الزبير أبي الحارث سمعت
عكرمة يقول : كان
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يقول : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11638إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل } . إسناد جيد . قال
أبو داود أكثر من رواه عن
جرير لا يذكر فيه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وهارون النحوي ذكر فيه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=15743وحماد بن زيد لم يذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير أن المتباريين هما المتعارضان ، ففعلهما ليعجز أحدهما الآخر بصنيعه . وإنه إنما كرهه لما فيه من المباهاة والرياء . فهذا يدل لما ذكره
ابن الجوزي في المفاخر بدعوته ، وذكر
[ ص: 296 ] أبو داود لذلك يوافقه ، ثم هل يحرم أكل هذا الطعام أو يكره ؟ يحتمل وجهين نظرا إلى ظاهر النهي والمعنى .