[ ص: 82 ] فصل في وعظ القصاص ونفعهم وضررهم وكذبهم ( في
وعظ القصاص ونفعهم وضررهم وكذبهم ) .
قال
المروزي سمعت
أبا عبد الله يقول يعجبني القصاص لأنهم يذكرون الميزان وعذاب القبر قلت
لأبي عبد الله فترى الذهاب إليهم ؟ فقال أي لعمري إذا كان صدوقا لأنهم يذكرون الميزان وعذاب القبر قلت له كنت تحضر مجالسهم أو تأتيهم قال : لا قال : وشكا رجل إلى
أبي عبد الله الوسوسة فقال عليك بالقصاص ، ما أنفع مجالسهم وقال في رواية
جعفر بن محمد ما أحوج الناس إلى قاص صدوق وقال في رواية
علي بن زكريا التمار وسئل عن القصاص والمعبر فقال : يخرج المعبر ولا يخرج القصاص وقال لنا يعجبني القصاص في هذا الزمان لأنه يذكر الشفاعة والصراط وقال في رواية
إسحاق بن إبراهيم ما أنفعهم للعامة وإن كان عامة ما يتحدثون به كذبا وقال في رواية
أبي الحارث أكذب الناس القصاص والسؤال .
وسئل عن مجالسة القصاص فقال : إذا كان القاص صدوقا فلا أرى بمجالسته بأسا .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14243الخلال عنه أنه صلى في مسجد فقام سائل فسأل فقال
أبو عبد الله : أخرجوه من المسجد هذا يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال
مهنا إن
أبا عبد الله سألوه عن القصص فرخص فيه ، فقلت له حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
الزهري عن
سالم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه كان يخرج من المسجد يقول ما أخرجني إلا القصاص ولولاهم ما خرجت ، فقال لي يعجبني القصاص اليوم لأنهم يذكرون عذاب القبر ويخوفون الناس ، فقلت له حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16240ضمرة قال : جاءنا
سفيان ههنا
[ ص: 83 ] فقلنا نستقبل القصاص بوجوهنا ؟ فقال ولوا البدع ظهوركم ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : نعم هذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ثنا
هشام ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
عبد الملك بن ميسرة سمعت
كردوس بن قيس وكان قاص العامة
بالكوفة يقول : أخبرني رجل من أصحاب
بدر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=118775لأن أقعد في مثل هذا المجلس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب } قال
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة . فقلت أي مجلس قال : كان قاصا . لم أجد في
nindex.php?page=showalam&ids=16842كردوس كلاما
وعبد الملك من الثقات الكبار وقال أيضا حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11914أبو المغيرة حدثنا
صفوان ثنا
عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن
الحارث بن معاوية الكندي أنه ركب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأله عن ثلاث خلال فقدم
المدينة فسأله
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ما أقدمك قال لأسألك عن ثلاث وسأله الثالثة عن القصص فإنهم أرادوني على القصص ، فقال : ما شئت كأنه كره أن يمنعه قال إنما أردت ، أن أنتهي إلى قولك قال : أخشى عليك أن تقص فترتفع عليهم في نفسك ثم تقص فترتفع حتى يخيل إليك أنك فوقهم بمنزلة الثريا فيضعك الله عز وجل تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك إسناد جيد .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14243الخلال عن
nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس بن عبيد أنه رأى رجلا في حلقة
المعتزلة فقال : تعال ، فقال فجئت . فقال : إن كنت لا بد فاعلا فعليك بحلقة القصاص .
وروى أيضا عن
زياد النميري وهو ضعيف أنه أتى
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قال : فقال لي قص . فقلت : كيف والناس يزعمون أنه بدعة ، فقال لو كان بدعة ما أمرناك به ليس شيء من ذكر الله عز وجل بدعة قال : فقصصت فجعلت أكثر قصصي دعاء رجاء أن يؤمن قال : فجعلت أقص وهو يؤمن .
وقال
الأوزاعي كان
الحسن إذا قص القاص لم يتكلم فقيل له في ذلك فقال إجلالا لذكر الله عز وجل .
وروى
أبو داود عن
محمود بن خالد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16637علي بن مسهر عن
عباد بن عباد الخواص عن
يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن
عمرو بن عبد الله الشيباني عن
nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك الأشجعي مرفوعا
[ ص: 84 ] {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31886لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال }
عمرو تفرد عنه ووثقه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان وباقيه جيد تابعه
صالح بن أبي عريب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16839كثير بن مرة عن
عوف وتابعه
nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد ويقال ابن زيد ويقال ابن يزيد قاص مسلمة بالقسطنطينية عن
عوف قال في النهاية أي لا ينبغي ذلك إلا لأمير يعظ الناس ويخبرهم بما مضى ليعتبروا أو مأمور بذلك فحكمه كالأمير ، ولا يقص تكسبا ، أو يكون القاص مختالا يفعل ذلك تكبرا على الناس أو مرائيا ، وقيل أراد الخطبة لأن الأمراء كانوا يلونها ويعظون الناس فيها ويقصون عليهم أخبار الأمم السالفة قال :
ومنه الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14725القاص ينتظر المقت } لما يعرض في قصصه من الزيادة والنقصان قال : ومنه الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11696إن بني إسرائيل لما قصوا هلكوا . وفي رواية لما هلكوا قصوا } أي اتكلوا على القول وتركوا العمل فكان ذلك سبب هلاكهم ، أو بالعكس لما هلكوا فتركوا العمل أخلدوا إلى القصص .
وسئل
الأوزاعي عن القوم يجتمعون فيأمرون رجلا فيقص عليهم فقال إذا كان ذلك يوما بعد الأيام فليس به بأس وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15684حبيب بن الشهيد قال إنسان
nindex.php?page=showalam&ids=16972لابن سيرين إن
أبا مجلز كان لا يقعد إلى القاص قال قعد إليه من هو خير منه ، وعن
الحسن قال القصص بدعة ونعم البدعة ، كم من دعاء مستجاب وأخ مستفاد وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15772حنبل قلت لعمي في القصاص قال : القصاص الذي يذكر الجنة والنار والتخويف ولهم نية وصدق الحديث ، فأما هؤلاء الذين أحدثوا من وضع الأخبار والأحاديث فلا أراه قال
أبو عبد الله : ولو قلت أيضا إن هؤلاء يسمعهم الجاهل والذي لا يعلم فلعله ينتفع بكلمة أو يرجع عن أمر ، كان
أبو عبد الله يكره أن يمنعوا أو قال ربما جاءوا بالأحاديث الصحاح .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=7009غضيف بن الحارث قال بعث إلي
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان قال يا
أبا أسماء إنا جمعنا الناس على أمرين فقال وما هما قال رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة والقصص بعد الصبح والعصر ؟ فقال أما إنهما
[ ص: 85 ] أفضل بدعتكم ولست بمجيبكم إلى شيء منها قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34088ما أحدث قوم بدعة إلا رفع من السنة مثلها ، فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة } وقال
ابن عبد الله لا أحب أن يمل الناس ولا يطيل الموعظة إذ وعظ .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15772حنبل من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11960أبي جعفر الرازي ماهان عن
nindex.php?page=showalam&ids=14354الربيع بن أنس قال مر
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه على قاص فقام إليه فقال : هل تعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال : لا قال هل تعرف المحكم من المتشابه ؟ قال : لا قال : هل تعرف الزجر من الأمر ؟ قال : لا . فأخذ بيده فرفعها وقال إن هذا يقول اعرفوني اعرفوني . وبإسناد صحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبي عبد الرحمن السلمي قال انتهى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي إلى رجل وهو يقص فقال علمت الناسخ من المنسوخ ؟ قال : لا قال : هلكت وأهلكت . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس معناه . وعن
عابد بن عمر أنه قال لقاص هل تعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال : لا قال فعلام تقص على الناس وتغرهم عن دينهم وأنت لا تعرف حلال الله من حرامه ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال إذا سمعتم السائل يحدث بأحاديث الجاهلية يوم الجمعة فاضربوه بالحصى .
وروى ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14243الخلال .
قال
الشيخ تقي الدين قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رضي الله عنه أكذب الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم السؤال والقصاص فيجب منع من يكذب مطلقا ، فكيف إذا كان يكذب ويسأل ويتخطى ؟ وكيف من يكذب على رءوس الناس في مثل يوم الجمعة ؟ فنهي من يكذب من أعظم الواجبات بل وينهى من روى ما لا يعرف أصدق هو أم كذب انتهى كلامه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابن عقيل في الفنون ولا يصلح للكلام على العوام ملحد ولا أبله ، وكلاهما يفسد ما يحصل لهم من الإيمان وقال : المرء مخبوء تحت لسانه ولا بد أن ينكشف قصده من صفحات وجهه وقلبه أو لسانه وقال ما أخوفني على من كانت الدنيا أكبر همه أن تكون غاية حظه قال وسئل عن قوم يجتمعون حول رجل يقرأ عليهم أحاديث وهو غير فقيه ؟ فقال هذا وبال
[ ص: 86 ] على الشرع أو نحو ذلك فإن جماعة من العوام تفرقوا عن مجلس مثل هذا وبعضهم يقول لبعض استغفر مما فعلت كثيرا ولم أعلم أن الشرع قد نهى عنه قيل له وما هو قال كنت أبذل ماء قراحي وأبذل حقي من الماء وإذا هو قد نهى الشرع عنه ، فإنه قد روى لنا الشيخ عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31677لا يسقين أحدكم ماءه زرع غيره } .
وقد {
nindex.php?page=hadith&LINKID=38171نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط } وقد كنت أشرط الخيار لنفسي فأستغفر الله من ذلك ، فهذا وأمثاله إذا ورد وسمعه العوام كان نسخا عندهم لأحكام الشرع وإنما الراوي إذا كان قادرا أن يبين خصوص العام المخصص وتقييد المطلق بتقييده وإلا فمخاطرة ، وربما قرأ نفس الرحمن من اليمين " والحجر الأسود يمين الله " ومعلوم أن من اعتقد ظاهر هذا كفر .
قال
ابن الجوزي في كتاب السر المكتوم لا يصلح لإيداع الأسرار كل أحد ولا ينبغي لمن وقع بكنز أن يكتمه مطلقا فربما ذهب هو ولم ينتفع بالكنز ، وكما أنه لا ينبغي للعالم أن يخاطب العوام بكل علم فينبغي أن يخص الخواص بأسرار العلم لاحتمال هؤلاء ما لا يحتمله أولئك ، وقد علم تفاوت الأفهام ، وقد قال تعالى : {
ولو ردوه إلى الرسول } .
وقال {
وما يعقلها إلا العالمون }
[ ص: 87 ] وقال {
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } الآية وقال عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34047ليلني منكم أولو الأحلام والنهى } وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة رضي الله عنه : سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين بثثت أحدهما ولو بثثت الآخر لقطع هذا الحلقوم . وهذا يشكل فيقال كيف كتم العلم ؟ ولا أحسب هذا المكتوم إلا مثل قوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9722إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا } ومثل ذكر قتل
عثمان وما سيظهر من الفتن .
ومن التغفيل تكلم القصاص عند العوام الجهلة بما لا ينفعهم ، وإنما ينبغي أن يخاطب الإنسان على قدر فهمه ومخاطبة العوام صعبة فإن أحدهم ليرى رأيا يخالف فيه العلماء ولا ينتهي . وقد رأينا أن امرأة قالت لولدها من غير زوجها : هذا زوجي كافر قال : وكيف ؟ قالت : طلقني بكرة وضاجعني في الليل ، فقال : أنا أقتله وما علم أن الرجعية زوجة وأنه قد أشهد على ارتجاعها من غير علمها ، أو أنه يعتقد أن الوطء رجعة ورأى رجل رجلا يأكل في رمضان فهم بقتله وما علم أنه مسافر فالويل للعلماء من مقاساة الجهلة .
ثم روى بإسناده وهو ضعيف عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مرفوعا {
ما أنت محدث قوما حديثا لم تبلغه عقولهم إلا كان على بعضهم فتنة } وكان
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يسر إلى قوم ولا يحادث قوما وقال عمن وعظ العوام ليحذر الخوض في الأصول فإنهم لا يفهمون ذلك لكنه يوجب الفتن وربما كفروه مع كونهم جهلة .
[ ص: 88 ]
وينبغي أن يمدح جميع الصحابة رضي الله عنهم ولا يتعرض بتخطئة أحد منهم فقل أن يرجع ذو هوى عن عصبيته وإن كان عاميا فما يستفيد مكلم الناس بما قد رسخ في قلوبهم غيره إلا البغض والوقيعة فيه فإن سأله ذو هوى تلطف في الأمر وأشار له إلى الصواب ، وذكرت مرة أن جماعة من
العلويين خرجوا على الخلفاء فعاداني
العلويون وقلت ما أسلم
أبو طالب فزادت عداوتهم ، ولا ينبغي للواعظ أن يتعرض لغير الوعظ فإنه يعادى وما يتغير ذو عقيدة .
واعلم أن أغراض العوام لا يقدر العلماء على تغييرها فقد رأينا من الوعاظ من كان معروفا بالتشيع ذكر يوما أن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب يوما شرب الخمر حين كانت مباحة فهجروه وسبوه وسئل آخر هل يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة صلاة من يصلي عليه فقال ليس هذا بصحيح فضجوا بلعنته .
وقال آخر أول من أسلم من الصبيان علي فغضب قوم وقالوا كأنه لم يخلق مسلما فالحذر الحذر من مخاطبة من لا يفهم بما لا يحتمل . وقد جرت فتن بين أهل
الكرخ وأهل باب
البصرة سنين قتل فيها من الفريقين خلق كثير لا يدري القاتل لم قتل ولا المقتول ، وإنما كانت لهم أهواء مع الصحابة فاستباحوا بأهوائهم القتل فاحذر العوام كلهم والخلق جملة فقد قال الشاعر :
فسد الزمان فلا كريم يرتجى منه النوال ولا مليح يعشق
.