[ ص: 444 ] فصل ( في الاستعانة بأهل الذمة ) .
قال بعض أصحابنا ويكره أن يستعين مسلم بذمي في شيء من أمور المسلمين مثل كتابة وعمالة وجباية خراج وقسمة فيء وغنيمة وحفظ ذلك ونقله إلا ضرورة قال في الرعاية الكبرى ولا يكون بوابا ولا جلادا ونحوهما . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري أنه أتخذ كاتبا نصرانيا فانتهره
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أيضا أنه قال : لا ترفعوهم إذ وضعهم الله ، ولا تعزوهم إذ أذلهم الله ، ولأن في الاستعانة بهم في ذلك من المفسدة ما لا يخفى وهي ما يلزم عادة أو ما يفضي إليه من تصديرهم في المجالس ، والقيام لهم وجلوسهم فوق المسلمين وابتدائهم بالسلام أو ما في معناه ورده عليهم على غير الوجه الشرعي وأكلهم من أموال المسلمين ما أمكنهم لخيانتهم واعتقادهم حلها وغير ذلك ، ولأنه إذا منع من الاستعانة بهم في الجهاد مع حسن رأيهم في المسلمين والأمن منهم وقوة المسلمين على المجموع لا سيما مع الحاجة إليهم على قول فهذا في معناه وأولى للزومه وإفضائه إلى ما تقدم من المحرمات بخلاف هذا ، وبهذا يظهر التحريم هنا وإن لم تحرم الاستعانة بهم على القتال ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يتخذوا الكفار بطانة لهم فقال تعالى {
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم } .
وبطانة الرجل تشبيهه ببطانة الثوب الذي يلي بطنه ; لأنهم يستنبطون أمره ويطلعون عليه بخلاف غيرهم ، وقوله {
من دونكم } أي من غير أهل ملتكم
[ ص: 445 ] ثم قال تعالى : {
لا يألونكم خبالا } أي لا يبقون غاية في إلقائكم فيما يضركم والخبال الشر والفساد {
ودوا ما عنتم } أي يودون ما يشق عليكم من الضر والشر والهلاك ، والعنت المشقة يقال فلان يعنت فلانا أي يقصد إدخال المشقة والأذى عليه .
{
قد بدت البغضاء من أفواههم } قيل بالشتم والوقيعة في المسلمين ومخالفة دينكم ، وقيل باطلاع المشركين على أسرار المؤمنين {
وما تخفي صدورهم أكبر } أي أعظم {
قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون } قال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى من أئمة أصحابنا وفي هذه الآية دليل على أنه لا يجوز [
الاستعانة بأهل الذمة ] في أمور المسلمين من العمالات والكتبة ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد رضي الله عنه لا يستعين الإمام بأهل الذمة على قتال أهل الحرب ، وقد جعل الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13439موفق الدين رحمه الله هذه المسألة أصلا في اشتراط الإسلام في عامل الزكاة فدل على أنها محل وفاق .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد رحمه الله في رواية
أبي طالب وقد سأله يستعمل اليهودي والنصراني في أعمال المسلمين مثل الخراج ؟ فقال لا يستعان بهم في شيء .
فانظر إلى هذا العموم من
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد نظرا منه إلى رديء المفاسد الحاصلة بذلك وإعدامها وهي وإن لم تكن لازمة من ولايتهم ولا ريب في لزومها فلا ريب في إفضائها إلى ذلك ، ومن مذهبه اعتبار
[ ص: 446 ] الوسائل والذرائع ، وتحصيلا للمأمور به شرعا من إذلالهم وإهانتهم والتضييق عليهم وإذا أمر الشارع عليه الصلاة والسلام بالتضييق عليهم في الطريق المشتركة فما نحن فيه أولى هذا مما لا إشكال فيه ، ولأن هذه ولايات بلا شك ، ولهذا لا يصح تفويضها مع الفسق والخيانة ، والكافر ليس من أهلها بدليل سائر الولايات وهذا في غاية الوضوح ; ولأنها إذا لم يصح تفويضها إلى فاسق فإلى كافر أولى بلا نزاع .
ولهذا قد نقول يصح تفويضها إلى فاسق إما مطلقا أو مع ضم أمين إليه يشارفه كما نقول في الوصية ; ولأنه إذا لم تصح
وصية المسلم إلى كافر في النظر في أمر أطفاله أو تفريق ثلثه مع أن الوصي المسلم المكلف العدل يحتاط لنفسه وماله وهي مصلحة خاصة يقل حصول الضرر فيها فمسألتنا أولى هذا مما لا يحتاج فيه إلى تأويل ونظر والله أعلم وقال الله تعالى {
ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } .
وهذا من أعظم السبيل استدل
nindex.php?page=showalam&ids=12916الشيخ وجيه الدين وغيره من الأصحاب بهذه الآية على أنه لا يجوز أن يكون عاملا في الزكاة وقد قال أصحابنا في كاتب الحاكم لا يجوز أن يكون كافرا واستدلوا بقوله تعالى {
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة } .
وبقضية
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر على
أبي موسى وقال
الشيخ تقي الدين في أول الصراط المستقيم في أثناء كلام له: ولهذا كان السلف يستدلون بهذه الآية على ترك الاستعانة بهم في الولايات فروى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بإسناد صحيح عن
أبي موسى قال قلت
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر رضي الله عنه إن لي كاتبا نصرانيا قال ما لك قاتلك الله أما سمعت الله يقول
[ ص: 447 ] {
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } ألا اتخذت حنيفيا ؟ قال قلت يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه قال لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله انتهى كلامه ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وعنده " فانتهرني وضرب على فخذي " وعنده أيضا " فقال
أبو موسى والله ما توليته إنما كان يكتب . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر له أما وجدت في أهل الإسلام من يكتب ؟ لا تدنهم إذا أقصاهم الله ولا تأمنهم إذا أخانهم الله ولا تعزهم بعد إذ أذلهم الله .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أنه قال : لا تستعملوا
اليهود والنصارى فإنهم يستحلون الرشاء في دينهم ولا تحل الرشاء .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور في سننه ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17249هشيم عن
nindex.php?page=showalam&ids=14835العوام عن
إبراهيم التيمي قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لا ترفعوهم إذ وضعهم الله ولا تعزوهم إذ أذلهم الله يعني
أهل الكتاب . كلهم أئمة لكن
إبراهيم لم يلق
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، وقطع
الشيخ تقي الدين في موضع آخر بأنه يجب على ولي الأمر منعهم من الولايات في جميع أرض الإسلام وقال : أيضا الولاية إعزاز وأمانة وهم يستحقون للذل والخيانة ، والله يغني عنهم المسلمين ، فمن أعظم المصائب على الإسلام وأهله أن يجعلوا في دواوين المسلمين يهوديا أو سامريا أو نصرانيا .
وقال أيضا : لا يجوز استعمالهم على المسلمين فإنه يوجب من إعلائهم على المسلمين خلاف ما أمر الله ورسوله ، {
والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يبدءوا بالسلام } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=118825وأمر إذا لقيهم المسلمون أن يضطروهم إلى أضيق الطرق } .
{
nindex.php?page=hadith&LINKID=41453وقال الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، } وقد منعوا من
تعلية بنائهم على المسلمين فكيف إذا كانوا ولاة على المسلمين فيما يقبض منهم ويصرف إليهم وفيما يؤمرون به من الأمور المالية ويقبل خبرهم في ذلك فيكونون هم الآمرين الشاهدين عليهم ؟
هذا من أعظم ما يكون من مخالفة أمر الله ورسوله ، وقد قدم
أبو موسى على
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنهما بحساب
العراق فقال ادع
[ ص: 448 ] يقرؤه فقال إنه لا يدخل المسجد فقال لم ؟ قال لأنه نصراني ، فضربه
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بالدرة فلو أصابته لأوجعته وقال لا تعزوهم إذ أذلهم الله ولا تصدقوهم إذ كذبهم الله ولا تأمنوهم إذ خونهم الله .
وكتب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد أن
بالشام كاتبا نصرانيا لا يقوم خراج
الشام إلا به فكتب إليه لا تستعمله ، فأعاد عليه السؤال وإنا محتاجون إليه فكتب إليه مات النصراني والسلام يعني قدر موته ، فمن ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه ، إلى أن قال وقد يشيرون عليهم بالرأي التي يظنون أنها مصلحة ويكون فيها من فساد دينهم ودنياهم ما لا يعلمه إلا الله وهو يتدين بخذلان الجند وغشهم يرى إنهم ظالمين ، وأن الأرض مستحقة
للنصارى ويتمنى أن يتملكها
النصارى .
وقال أيضا كان
صلاح الدين وأهل بيته يذلون
النصارى ولم يكونوا يستعملون منهم أحدا . ولهذا كانوا مؤيدين منصورين على الأعداء مع قلة المال والعدد ، وإنما قويت شوكة النصارى
والتتار بعد موت العادل حتى قام بعض الملوك أعطاهم بعض مدائن المسلمين وحدثت حوادث بسبب التفريط فيما أمر الله به ورسوله . فإن الله تعالى يقول : {
ولينصرن الله من ينصره } .
إلى أن قال وهم إلى ما في بلاد المسلمين أحوج من المسلمين إلى ما في بلادهم ، بل مصلحة دينهم ودنياهم لا تقوم إلا بما في بلاد المسلمين ، والمسلمون ولله الحمد مستغنون عنهم في دينهم ودنياهم ، ففي ذمة المسلمين من علماء النصارى ورهبانهم من يحتاج إليهم أولئك النصارى وليس عند النصارى مسلم يحتاج إليه المسلمون مع أن افتداء الأسرى من أعظم الواجبات .
وكل مسلم يعلم أنهم لا يتجرون إلى بلاد المسلمين إلا لأغراضهم لا لنفع المسلمين ، ولو منعهم ملوكهم من ذلك لكان حرصهم على المال يمنعهم من الطاعة فإنهم أرغب الناس في المال ولهذا يتقامرون في الكنائس وهم طوائف كل
[ ص: 449 ] طائفة تضاد الأخرى ، ولا يشير على ولي الأمر بما فيه إظهار شعارهم في دار الإسلام أو تقوية أيديهم بوجه من الوجوه إلا رجل منافق أو له غرض فاسد أو في غاية الجهل لا يعرف السياسة الشرعية التي تنصر سلطان المسلمين على أعدائه وأعداء الدين .
وليعتبر المعتبر بسيرة
نور الدين وصلاح الدين ثم
العادل كيف مكنهم الله وأيدهم وفتح لهم البلاد وأذل لهم الأعداء لما قاموا من ذلك بما قاموا وليعتبر بسيرة من والى النصارى كيف أذله وكبته إلى أن قال : وثبت في الصحيح عن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15356النبي صلى الله عليه وسلم أن مشركا لحقه ليقاتل معه فقال له إني لا أستعين بمشرك } وكما أن استخدام الجند المجاهدين إنما يصلح إذا كانوا مؤمنين فكذلك الذين يعاونون الجند في أموالهم وأعمالهم إلى أن قال {
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم } وقال تعالى {
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم } .
وذكر سبب نزولها ثم قال وقد عرف أهل الخبرة أن أهل الذمة من
اليهود والنصارى والمنافقين يكاتبون أهل دينهم بأخبار المسلمين وربما يطلعون على ذلك من أسرارهم وعوراتهم وغير ذلك وقد قيل :
كل العداوات قد ترجى مودتها إلا عداوة من عاداك في الدين
انتهى كلامه .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30292لا تستضيئوا بنار المشركين ولا تنقشوا في خواتيمكم عربيا } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد وغيرهم . ومعنى قوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30291لا تستضيئوا بنار المشركين } أي
[ ص: 450 ] لا تستشيروهم ولا تأخذوا آراءهم .
جعل الضوء مثلا الرأي عند الحيرة هذا معنى قول
الحسن رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد ، واحتج
الحسن بقوله تعالى {
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم } وكذا فسره غيره ، وفسر
الحسن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42291ولا تنقشوا في خواتيمكم عربيا } أي لا تنقشوا فيها
محمدا وفسره غيره
محمد رسول الله لأنه كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30641لا تنقشوا في خواتيمكم العربية } وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه كان يكره أن ينقش في الخاتم القرآن .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر قال
ابن القاسم سئل
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن النصراني يستكتب ؟ قال لا أرى ذلك ، وذلك أن الكاتب يستشار ، فيستشار النصراني في أمر المسلمين ؟ ما يعجبني أن يستكتب . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أنه استأذن على
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون بعض شيوخ الفقهاء فأذن له ، فلما دخل عليه رأى بين يديه رجلا يهوديا كاتبا كانت له عنده منزلة وقربة لقيامه بما يصرفه فيه ويتولاه من خدمته فلما رآه الفقيه قال ، وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون أومأ إليه بالجلوس ، فقال ، أتأذن لي يا أمير المؤمنين في إنشاد بيت حضر قبل أن أجلس قال نعم ، فأنشده :
إن الذي شرفت من أجله يزعم هذا أنه كاذب
وأشار إلى اليهودي . فخجل
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون ووجم ثم أمر حاجبه بإخراج اليهودي مسحوبا على وجهه فأنفذ عهدا بإطراحه وإبعاده وأن لا يستعان بأحد من أهل الذمة في شيء من أعماله قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : كيف يؤتمن على سر ، أو يوثق به في أمر من وقع في القرآن ، وكذب النبي ؟
[ ص: 451 ]
وقد أمر
الناصر لدين الله أن لا يستخدم في الديوان بأحد من أهل الذمة فكتب إليه عن
أبي منصور : ابن رطينا النصراني إنا لا نجد كاتبا يقوم مقامه ، فقال : نقدر أن رطينا مات هل كان يتعطل الديوان ؟ فحينئذ أسلم وحسن إسلامه ، فأما [
أهل الأهواء فهل يستعان بهم ؟ ] الذي يؤخذ من كلام الأصحاب جوازه ، والمنقول عن الإمام المنع ، وإن جازت الاستعانة بأهل الذمة ، وقد تقدم في فصول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .