الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 280 ] فصل ( في تحريم السؤال حتى على من له أخذ الصدقة وذمه وتقبيحه ) .

من أبيح له أخذ شيء قال ابن حمدان من زكاة وصدقة تطوع وكفارة ونذر ونحو ذلك فله طلبه وعنه يحرم الطلب دون الأخذ على من له غداء أو عشاء نقلها الأثرم وابن منصور ، وعنه بلى على من له غداء أو عشاء ، نقله عنه صالح وجعفر ، وعنه يحرم الطلب على من له خمسون درهما وإن جاز له الأخذ نقله مهنا ، وعنه تحرم المسألة على من له أخذ الصدقة مطلقا والله أعلم ، وفي ذم السؤال والنهي عنه وأن المسألة تجيء في وجهه يوم القيامة خدوش وأنه يستكثر من جمر جهنم ونحو ذلك أخبار كثيرة مشهورة .

وقال مؤنس :

إن الوقوف على الأبواب حرمان والعجز أن يرجو الإنسان إنسان     متى تؤمل مخلوقا وتقصده
إن كان عندك بالرحمن إيمان     ثق بالذي هو يعطي ذا ويمنع ذا
في كل يوم له في خلقه شان

وقال آخر

من يسأل الناس يحرموه     وسائل الله لا يخيب



قال آخر :

ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى     وإلى الذي يهب الرغائب فارغب

وقال آخر :

لا تحسبن الموت موت البلى     فإنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موت ولكن ذا     أشد من ذاك لذل السؤال

[ ص: 281 ] وذكر ابن الجوزي أن سعد الله بن نصر الدجاجي الحنبلي يكنى أبا الحسن توفي في سنة أربع وستين وخمسمائة تفقه وناظر ووعظ قال كنت خائفا من الخليفة لحادث نزل فاختفيت فرأيت في المنام كأني في غرفة أكتب شيئا ، فجاء رجل فوقف بإزائي وقال اكتب ما أملي عليك :

ادفع بصبرك حادث الأيام     وترج لطف الواحد العلام
لا تيأسن وإن تضايق كربها     ورماك ريب صروفها بسهام
فله تعالى بين ذلك فرجة     تخفى على الأبصار والأفهام
كم من نجا من بين أطراف القنا     وفريسة سلمت من الضرغام



وقال محمود الوراق :

وإذا لم يكن من الذل بد     فالق بالذل إن لقيت الكبارا
ليس إجلالك الكبير بذل     إنما الذل أن تجل الصغارا

وقال أيضا :

بخلت وليس البخل مني سجية     ولكن رأيت الفقر شر سبيل
لموت الفتى خير من البخل للفتى     وللبخل خير من سؤال بخيل

قال ابن عبد البر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { انتظار الفرج عبادة } .

ويروى لأبي محجن الثقفي :

عسى فرج يأتي من الله إنه     له كل يوم في خليقته أمر
عسى ما ترى أن لا يدوم وأن ترى     له فرجا مما ألح به الدهر
إذا اشتد عسر فارج يسرا فإنه     قضى الله إن العسر يتبعه اليسر

وقال آخر :

لعمرك ما كل التعطل ضائر     ولا كل شغل فيه للمرء منفعه
إذا كانت الأرزاق في القرب والنوى     عليك سواء فاغتنم لذة الدعه [ ص: 282 ]
وإن ضقت يوما يفرج الله ما ترى     ألا رب ضيق في عواقبه سعه



وقال آخر :

اصبر على الدهر إن أصبحت منغمسا     بالضيق في لجج تهوي إلى لجج
فما تجرع كأس الصبر معتصم     بالله إلا آتاه الله بالفرج

وقال آخر :

هون عليك فكل الأمر منقطع     وخل عنك عنان الهم يندفع
فكل هم له من بعده فرج     وكل أمر إذا ما ضاق يتسع
إن البلاء وإن طال الزمان به     فالموت يقطعه أو سوف ينقطع

وقال الشعبي خرجت حاجا فضاق صدري فجعلت أقول :

أرى الموت لمن أمسى     على الذل له أصلح

فإذا بهاتف من ورائي يقول :

ألا أيها المرء الذي     الهم به برح
إذا ضاق بك الصدر     تفكر في ألم نشرح

.

التالي السابق


الخدمات العلمية