فكابد إلى أن تبلغ النفس عذرها وكن في اقتباس العلم طلاع أنجد ولا يذهبن العمر منك سبهللا
ولا تغبنن في النعمتين بل اجهد
فمن هجر اللذات نال المنى ومن أكب على اللذات عض على اليد
وفي قمع أهواء النفوس اعتزازها وفي نيلها ما تشتهي ذل سرمد
ولا تشتغل إلا بما يكسب العلا ولا ترض النفس النفيسة بالردي
وفي خلوة الإنسان بالعلم أنسه ويسلم دين المرء عند التوحد
ويسلم من قيل وقال ومن أذى جليس ومن واش بغيض وحسد
فكن حلس بيت فهو ستر لعورة وحرز الفتى عن كل غاو ومفسد
وخير جليس المرء كتب تفيده علوما وآدابا وعقلا مؤيد
وخالط إذا خالطت كل موفق من العلماء أهل التقى والتسدد
يفيدك من علم وينهاك عن هوى فصاحبه تهد من هداه وترشد
وإياك والهماز إن قمت عنه وال بذي فإن المرء بالمرء يقتدي [ ص: 590 ]
ولا تصحب الحمقى فذو الجهل إن يرم صلاحا لشيء يا أخا الحزم يفسد
وخير مقام قمت فيه وخصلة تحليتها ذكر الإله بمسجد
وكف عن العورا لسانك وليكن دواما بذكر الله يا صاحبي ندي
وحصن عن الفحشا الجوارح كلها تكن لك في يوم الجزا خير شاهد
وواظب على درس القران فإنه يلين قلبا قاسيا مثل جلمد
وحافظ على فعل الفروض لوقتها وخذ بنصيب في الدجى من تهجد
وناد إذا ما قمت في الليل سامعا قريبا مجيبا بالفواصل يبتدي
ومد إليه كف فقرك ضارعا بقلب منيب وادع تعط وتسعد
ولا تسأمن العلم واسهر لنيله بلا ضجر تحمد سرى السير في غد
وكن صابرا للفقر وادرع الرضى بما قدر الرحمن واشكره واحمد [ ص: 591 ]
فما العز إلا في القناعة والرضى بأدنى كفاف حاصل والتزهد
فمن لم يقنعه الكفاف فما إلى رضاه سبيل فاقتنع وتقصد
فمن يتغن يغنه الله والغنى غنى النفس لا عن كثرة المتعدد
ولا تطلبن العلم للمال والريا فإن ملاك الأمر في حسن مقصد
وكن عاملا بالعلم فيما استطعته ليهدى بك المرء الذي كان يقتدي
حريصا على نفع الورى وهداهم تنل كل خير في نعيم مؤبد
وإياك والإعجاب والكبر تحظ بالس عادة في الدارين فارشد وأرشد
وها قد بذلت النصح جهدي وإنني مقر بتقصيري وبالله أهتدي
نح وابك فالمعروف أقفر رسمه والمنكر استعلى وأثر وسمه
لم يبق إلا بدعة فتانة يهوي مضل مستطير سمه
وطعام سوء من مكاسب مرة يعمي الفؤاد بدائه ويصمه
ففشا الرياء وغيبة ونميمة وقساوة منه وأثمر إثمه
لم يبق زرع أو مبيع أو شرى إلا أزيل عن الشريعة حكمه
فلكيف يفلح عابد وعظامه نشأت على السحت الحرام ولحمه
هذا الذي وعد النبي المصطفى بظهوره وعدا توثق حتمه
هذا لعمر إلهك الزمن الذي تبدو جهالته ويرفع علمه [ ص: 593 ]
هذا الزمان الآخر الكدر الذي تزداد شرته وينقص حلمه
وهت الأمانة فيه وانفصمت عرى الت قوى به والبر أدبر نجمه
كثر الربا وفشا الزنا ونما الخنا ورمى الهوى فيه فأقصد سهمه
ذهب النصيح لربه ونبيه وإمامه نصحا تحقق عزمه
لم يبق إلا عالم هو مرتش أو حاكم تخشى الرعية ظلمه
والصالحون على الذهاب تتابعوا فكأنهم عقد تناثر نظمه
لم يبق إلا راغب هو مظهر للزهد والدنيا الدنية همه
لولا بقايا سنة ورجالها لم يبق نهج واضح نأتمه
يا مقبلا في جمع دنيا أدبرت كبناء استولى عليه هدمه [ ص: 594 ]
هذي أمارات القيامة قد بدت لمبصر سبر العواقب فهمه
ظهرت طغاة الترك واجتاحوا الورى وأبادهم هرج شديد حطمه
والشمس آن طلوعها من غربها وخروج دجال فظيع غشمه
وأنى ليأجوج الخروج عقيبه من خلف سد سوف يفتح ردمه
فاعمل ليوم لا مرد لوقعه يقصي الوليد به أبوه وأمه
أنا العبد الذي كسب الذنوبا وصدته الأماني أن يتوبا
أنا العبد الذي أضحى حزينا على زلاته قلقا كئيبا
أنا العبد الذي سطرت عليه صحائف لم يخف فيها الرقيبا
أنا العبد المسيء عصيت سرا فما لي الآن لا أبدي النحيبا
أنا العبد المفرط ضاع عمري فلم أرع الشبيبة والمشيبا
أنا العبد الغريق بلج بحر أصيح لربما ألقى مجيبا
أنا العبد السقيم من الخطايا وقد أقبلت ألتمس الطبيبا
أنا العبد المخلف عن أناس حووا من كل معروف نصيبا
أنا العبد الشريد ظلمت نفسي وقد وافيت بابكم منيبا
أنا العبد الفقير مددت كفي إليكم فادفعوا عني الخطوبا [ ص: 595 ]
أنا الغدار كم عاهدت عهدا وكنت على الوفاء به كذوبا
أنا المهجور هل لي من شفيع يكلم في الوصال لي الحبيبا
أنا المقطوع فارحمني وصلني ويسر منك لي فرجا قريبا
أنا المضطر أرجو منك عفوا ومن يرجو رضاك فلن يخيبا
فيا أسفى على عمر تقضى ولم أكسب به إلا الذنوبا
وأحذر أن يعاجلني ممات يحير هول مصرعه اللبيبا
ويا حزناه من نشري وحشري بيوم يجعل الولدان شيبا
تفطرت السماء به ومارت وأصبحت الجبال به كثيبا
إذا ما قمت حيرانا ظميئا حسير الطرف عريانا سليبا
ويا خجلاه من قبح اكتسابي إذا ما أبدت الصحف العيوبا
وذلة موقف وحساب عدل أكون به على نفسي حسيبا
ويا حذراه من نار تلظى إذا زفرت وأقلقت القلوبا
تكاد إذا بدت تنشق غيظا على من كان ظلاما مريبا
فيا من مد في كسب الخطايا خطاه أما أنى لك أن تتوبا
ألا فاقلع وتب واجهد فإنا رأينا كل مجتهد مصيبا
وأقبل صادقا في العزم واقصد جنابا ناضرا عطرا رحيبا
وكن للصالحين أخا وخلا وكن في هذه الدنيا غريبا
وكن عن كل فاحشة جبانا وكن في الخير مقداما نجيبا
ولاحظ زينة الدنيا ببغض تكن عبدا إلى المولى حبيبا [ ص: 596 ]
فمن يخبر زخارفها يجدها مخالبة لطالبها خلوبا
وغض عن المحارم منك طرفا طموحا يفتن الرجل الأريبا
فخائنة العيون كأسد غاب إذا ما أهملت وثبت وثوبا
ومن يغضض فضول الطرف عنها يجد في قلبه روحا وطيبا
ولا تطلق لسانك في كلام يجر عليك أحقادا وحوبا
ولا يبرح لسانك كل وقت بذكر الله ريانا رطيبا
وصل إذا الدجى أرخى سدولا ولا تضجر به وتكن هيوبا
تجد أنسا إذا أوعيت قبرا وفارقت المعاشر والنسيبا
وصم ما استطعت تجده ريا إذا ما قمت ظمآنا سغيبا
وكن متصدقا سرا وجهرا ولا تبخل وكن سمحا وهوبا
تجد ما قدمته يداك ظلا إذا ما اشتد بالناس الكروبا
وكن حسن السجايا ذا حياء طليق الوجه لا شكسا غضوبا
وصولا للخليل إذا تجافى عساه بحسن عطفك أن يئوبا
حفيظا للوداد بظهر غيب فإن الحر من حفظ المغيبا
ولا تمزح وكن رجلا وقورا كثير الصمت متقيا أديبا [ ص: 597 ]
ولا تحسد ولا تحقد وطهر لسانك أن ينم وأن يغيبا
فإنك إن نهضت لفعل هذا حللت من التقى ربعا خصيبا
دع الدنيا لطالبها لتسلم من معاطبها
ولا يغررك عاجلها وفكر في عواقبها
فإن سهام آفتها مشوب في أطايبها
وإن بريق درهمها لأفتك من عقاربها
وكن متدرع التقوى تحصن من قواضبها
فإن سهام فتنتها لترشق من جوانبها
تبيحك في محاسنها لتذهل عن معايبها
فتبدي لينها خدعا لتنشب في مخالبها
فكن من أسدها ليثا ولا تك من ثعالبها
فإنك إن سلمت بها فإنك من عجائبها
وجانبها فإن البر يدنو من مجانبها
وكن منها على حذر فإنك من مطالبها
فكم من صاحب صحبت ولم تنصح لصاحبها
وصادقها لينهبها فأصبح من مناهبها
فلا تطمع من الدنيا بصاف في شوائبها
فإن مجامع الأكدار صبت في مشاربها
وكن رجلا منيب القلب تسلم من نوائبها
وسل رب العباد العون منه على مصائبها
يا قسوة القلب ما لي حيلة فيك ملكت قلبي فأضحى شر مملوك
حجبت عني إفادات الخشوع فلا يشفيك ذكر ولا وعظ يداويك
وما تماديك من كنف الذنوب ول كن الذنوب أراها من تماديك
لكن تماديك من أصل نشأت به طعام سوء على ضعف يقويك
وأنت يا نفس مأوى كل معضلة وكل داء بقلبي من عواديك
أنت الطليعة للشيطان في جسدي فليس يدخل إلا من نواحيك
لما فسحت بتوفير الحظوظ له أضحى مع الدم يجري في مجاريك
واليته بقبول الزور منك فلن يوالي الله إلا من يعاديك
ما زلت في أسره تهوين موثقة حتى تلفت فأعياني تلافيك [ ص: 599 ]
يا نفس توبي إلى الرحمن مخلصة ثم استقيمي على عزم ينجيك
واستدركي فارط الأوقات واجتهدي عساك بالصدق أن تمحى مساويك
واسعي إلى البر والتقوى مسارعة فربما شكرت يوما مساعيك
ولن تتم لك الأعمال صالحة إلا بتركك شيئا شر متروك
حب التكاثر في الدنيا وزينتها فهي التي عن طلاب الخير تلهيك
لا تكثري الحرص في تطلابها فلكم دم لها بسيوف الحرص مسفوك
بل اقنعي بكفاف الرزق راضية فكلما جاز ما يكفيك يطغيك
ثم اذكري غصص الموت الفظيع تهن عليك أكدار دنيا لا تصافيك
وظلمة القبر لا تخشي ووحشته عند انفرادك عن خل يواليك
[ ص: 600 ] والصالحات ليوم الفاقة ادخري في موقف ليس فيه من يواسيك
وأحسني الظن بالرحمن مسلمة فحسن ظنك بالرحمن يكفيك
إن كان ذل محب جالبا فرحا فها محبكم الخدين قد فرشا
أو كان ينفعه بذل الرشى لسخا بنفسه في هواكم باذلا فرشا
يا من يزين ثياب الوشي حسنهم ما لم تزنه يد الوشاء حين وشى
ومن يقال محال في محبتهم لا تسمعوا قول واش بالمحال وشى
يا من له الفضل محضا في بريته وهو المؤمل في البأساء والباس [ ص: 601 ]
عودتني عادة أنت الكفيل بها فلا تكلني إلى خلق من الناس
ولا تذل لهم من بعد عزته وجهي المصون ولا تخفض لهم راسي
وابعث على يد من ترضاه من بشر رزقي وصني عمن قلبه قاسي
فإن حبل رجائي فيك متصل بحسن صنعك مقطوع عن الناس
إذا انقطعت أطماع عبد عن الورى تعلق بالرب الكريم رجاؤه
فأصبح حرا عزة وقناعة على وجهه أنواره وضياؤه
وإن علقت بالخلق أطماع نفسه تباعد ما يرجو وطال عناؤه
فلا ترج إلا الله للخطب وحده ولو صح في خل الصفاء صفاؤه
لا تلق حادثة بوجه عابس واثبت وكن في الصبر خير منافس
فلطالما قطف اللبيب بصبره ثمر المنى وانجاب ضر البائس
وعليك بالتقوى وكن متدرعا بلباسها فلنعم درع اللابس
وتتبع السنن المنيرة واطرح متجنبا إفك الغوي اليائس
واغرس أصول البر تجن ثمارها فالبر أزكى منبتا للغارس
واطلب نفيس العلم تستأنس به فالعلم للطلاب خير مؤانس
لا تكثرن الخوض في الدنيا وكن في العلم أحرص مستفيد قابس
فالمال يحرسه الفتى حيث التوى والعلم للإنسان أحفظ حارس
وإذا شهدت مع الجماعة مجلسا يوما فكن للقوم خير مجالس
ألن الكلام لهم وصن أسرارهم وذر المزاح ولا تكن بالعابس
اصحب من الناس من صدورهم طاهرة لا تكن أوغارا
أنوارهم في الظلام مشرقة إن لاح نجم السماء أو غارا
أكفهم بالنوال مطلقة إن فاض ماء العيون أو غارا
عرضهم طيب الثناء فلا مسك يضاهى به ولا غارا
فاهرب من الناس ما استطعت ولو سكنت من خوف شرهم غارا
ولا تطل ذكر غادر ملق إن جد في البعد عنك أو غارا
والخل صن عرضه فنعم فتى حر على عرض خله غارا
وصله في فقره كذي رحم فأكرم الواصلين من غارا
إذا الفتى لم يكن بالفقه مشتغلا ولا الحديث ولا يتلو الكتاب لغا
وكل من أهمل التقوى فليس له من حرمة بالغا في العلم ما بلغا
وليس يجني من العلم الثمار سوى من أصله في بساتين التقى نبغا
وكل خل صفا يوم وليت له يبغي الصفاء ولم يعط الليان بغا
تدبر كتاب الله ينفعك وعظه فإن كتاب الله أبلغ واعظ
وبالعين ثم القلب لاحظه واعتبر معانيه فهو الهدى للملاحظ
وأنت إذا أتقنت حفظ حروفه فكن لحدود الله أقوم حافظ
ولا ينفع التجويد لافظ حكمه وإن كان بالقرآن أفصح لافظ
ويعرف أهلوه بإحياء ليلهم وصوم هجير لاعج الحر قائظ
وغضهم الأبصار عن مأثم يجر بتحرير العيون اللواحظ
وكظمهمو للغيظ عند استعاره إذا عز بين الناس كظم المغايظ
وأخلاقهم محمودة إن خبرتها فليست بأخلاق فظاظ غلائظ
تحلوا بآداب الكتاب وأحسنوا الـ تفكر في أمثاله والمواعظ
ففاضت على الصبر الجميل نفوسهم سلام على تلك النفوس الفوائظ
لا مفشيا عند القطيعة سره وتنال منه حكمة وصواب
لنا جلساء ما نمل حديثهم ألباء مأمونون غيبا ومشهدا
يفيدوننا منهم طرائف حكمة ولا نتقي منهم لسانا ولا يدا
ما تطمعت لذة العيش حتى صرت في البيت للكتاب جليسا
إنما الذل في مخالطة الناس س فدعهم تعش عزيزا رئيسا