ولما ذكر الناظم وجوب بر الوالدين وحذر من عقوقهما أعقب ذلك
بالتوصية بحسن الصحبة إلى أصحابهما بعد موتهما ; لأن ذلك من برهما فقال :
مطلب : في بر الرجل أبويه بعد موتهما : وأحسن إلى أصحابه بعد موته فهذا بقايا بره المتعود ( وأحسن ) بالمودة وتحسين الأخلاق وحسن الصحبة ولين الجانب وإطلاق الوجه وحسن البشاشة ( إلى أصحابه ) أي الوالد سواء كان الأب أو الأم بأن يكرم صويحباتها ( بعد موته ) أي والده ، ولعل هذا القيد أغلى فيحسن إلى أصحابه ولو حيا ، لكن لما كان الأغلب إنما يحتاجونه بعد وفاة والده قيدوه بكونه بعد الموت ( فهذا ) أي إحسانك إلى أصحاب والدك ( بقايا ) أي كمال
[ ص: 393 ] بره ) منك ، فإن لم تفعل فليس برك له كاملا بل عليك الإحسان لأصحاب والدك لكمال بره ( المتعود ) منك يعني المعتاد .
وفي بعض النسخ " المتزود " يعني المتخذ زادا لكون ذلك صدر منك ووالدك في دار البرزخ ، فكأنك أرسلته زادا له أحوج ما هو إليه ، وذلك لما أخرج
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=45أبي أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16504بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما ؟ قال نعم الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه وزاد في آخره {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25407قال الرجل ما أكثر هذا يا رسول الله وأطيبه ، قال فاعمل به } وتقدم حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=38930هل لك من خالة } .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا من
الأعراب لقيه بطريق
مكة فسلم عليه
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه . قال
ابن دينار : فقلنا أصلحك الله إنهم
الأعراب وهم يرضون باليسير ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر إن أبا هذا كان ودا
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10809وإن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه } .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=177أبي بردة قال : {
قدمت المدينة فأتاني nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر فقال أتدري لم أتيتك ؟ قال قلت لا . قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه } . وأنه كان بين أبي
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وبين أبيك إخاء وود فأحببت أن أصل ذاك .
وقد ورد في هذا الباب عدة أخبار ، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15794الود يتوارث والبغض يتوارث } وقوله {
ثلاث يطفين نور العبد : أن يقطع ود أبيه ، ويبدل سنة صالحة ، ويزني ببصره في الحجرات } وذكر في الآداب الكبرى قال : مكتوب في بعض كتب الله لا تقطع من كان أبوك يصله فيطفى نورك . انتهى .
[ ص: 394 ] وقال
عبد العزيز بن أبي الرواد : إذا كان الرجل بارا بأبويه في حياتهما ثم لم يف بعد موتهما بنذورهما ولم يقض ديونهما كتب عند الله تبارك وتعالى عاقا . وإذا كان لم يبرهما وأوفى بنذورهما وقضى ديونهما كتب عند الله سبحانه وتعالى بارا . ذكره
الحجاوي رحمه الله .
وقال
أبو الليث في تنبيهه : فإن سأل سائل أن الوالدين إذا ماتا ساخطين على الولد هل يمكنه أن يرضيهما بعد وفاتهما ، قيل له بل يرضيهما بثلاثة أشياء ، أولها أن يكون الولد صالحا في نفسه ; لأنه لا يكون شيء أحب إليهما من صلاحه .
والثاني : أن يصل قرابتهما وأصدقاءهما .
والثالث : أن يستغفر لهما ويدعو لهما ويتصدق عنهما .
وذكر عن بعض التابعين أن من دعا لأبويه في كل يوم خمس مرات فقد أدى حقهما لقوله تعالى {
أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير } فشكر الله أن تصلي في كل يوم خمس مرات ، وكذا شكر الوالدين أن تدعو لهما في كل يوم خمس مرات ، والله أعلم .