ثم أخذ
الناظم رحمه الله تعالى ورضي عنه يتكلم على مقاصده فقال : ألا كل من رام السلامة فليصن جوارحه عن ما نهى الله يهتدي ( ألا ) حرف استفتاح ويأتي على خمسة أوجه : للتنبيه كقوله تعالى {
ألا إنهم هم السفهاء } وتفيد التحقيق لتركبها من الهمزة ولا .
وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق ، وتأتي للتوبيخ والإنكار كقول الشاعر :
ألا ارعواء لمن ولت شبيبته
وآذنت بمشيب بعده هرم
وللاستفهام عن النفي كقول الشاعر :
ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي
وللعرض والتحضيض وتقدم معناهما ، ومعناهما هنا التحقيق ( كل من ) أي إنسان ( رام ) قصد وطلب ( السلامة ) أي البراءة من العيوب كما في القاموس وهي من الكلمات الجوامع ، فإن من سلم نجا ، فهي قريبة من العافية .
ولذا يكون كلام الرسل عند مرور الناس على الصراط اللهم سلم سلم . وما أحسن قول من قال :
وقائلة مالي أراك مجانبا أمورا وفيها للتجارة مربح
فقلت لها كفي ملامك واسمعي فنحن أناس بالسلامة نفرح
( فليصن ) أي فليحفظ ، يقال صنته أي حفظته في صوانة صونا وصيانا وصيانة فهو مصون ، والصوان بضم الصاد وكسرها ، والصيانة بالكسر مع الياء لغة هو ما يصان فيه الشيء كما في لغة الإقناع لمؤلفه رحمه الله تعالى ( جوارحه ) جمع جارحة سميت بذلك لأنها تكتسب وتتصرف ( عن ما ) أي عن
الأشياء التي ( نهى الله ) سبحانه وتعالى عنها نهيا مؤكدا جازما مقتضيا للوعيد على الفعل ، فإنه يكون للتحريم كقوله جل شأنه : {
لا تأكلوا الربا } و {
لا تقربوا الزنا } وإن كان النهي ليس معه جزم فنهي كراهة كقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9771إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبك بين أصابعه فإنه في صلاة } رواه
الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه .
وصون
[ ص: 60 ] الإنسان جوارحه وقلبه عن الأول واجب وعن الثاني مستحب كما يأتي . فمن صانها عن الأشياء المنهي عنها فإنه يهتدي للصراط المستقيم والطريق السالك القويم الهداية التامة ، ويفوز بالنجاة والدرجات العلى يوم القيامة ، ويسلم من القيود والأغلال ، ويكون له في ميدان الصالحين مجال . ومفهوم نظامه أن من لم يصن جوارحه عن ما نهى الله عنه من المحظورات يكون عن السلامة بمعزل ، لأنه لم يتق الله ولم يراقبه فيم نهى وأمر .
وقد أوصى الله بتقواه ، فالتقوى وصية الله للأولين والآخرين ، قال تعالى {
ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } وقال تعالى {
اتقوا الله حق تقاته } قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ، وخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم مرفوعا . قال
ابن رجب : والموقوف أصح
. قال
الحافظ ابن رجب : وشكره يدخل فيه جميع فعل الطاعات .
ومعنى ذكره فلا ينسى ذكر العبد بقلبه لأوامر الله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها ، ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها .