غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : يكره الإسراف في الأكل والشبع المفرط .

والحاصل أن الآكل لا يخلو من حالات أربع : إحداها الشبع غير المفرط ، وقد علمت أنه غير مكروه ، والمراد به أن يتجاوز الأثلاث في الأكل على ما يأتي في الحديث مجاوزة غير مضرة للآكل في بدنه ولا إسراف .

الثانية : الشبع المفرط وإليها أشار الناظم بقوله ( ومكروه ) تنزيها على الأصح ( الإسراف ) في الأكل وقيل : إن ذلك حرام قال في الآداب الكبرى : اعلم أن كثرة الأكل شؤم ، وأنه ينبغي النفرة عمن عرف بذلك واشتهر به واتخذه عادة .

ولهذا روى مسلم عن نافع قال { : رأى ابن عمر رضي الله عنهما مسكينا فجعل يضع بين يديه ويضع بين يديه فجعل يأكل كثيرا فقال : لا يدخلن هذا علي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : المؤمن يأكل في معى واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء } . قلت وهذا الحديث في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المسلم يأكل في معى واحد ، والكافر في سبعة أمعاء } وفي رواية للبخاري { أن رجلا كان يأكل أكلا كثيرا فأسلم فكان يأكل أكلا قليلا ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن المؤمن يأكل في معى واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء } .

وفي رواية لمسلم قال { أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفا كافرا فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت فشرب حلابها ، ثم أخرى فشرب حلابها ، ثم أخرى فشرب حلابها [ ص: 109 ] حتى شرب حلاب سبع شياه ، ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فشرب حلابها ، ثم أخرى فلم يستتمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن المؤمن يشرب في معى واحد ، وإن الكافر يشرب في سبعة أمعاء } .

وأخرج الإمام أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه } .

ولفظ ابن ماجه { فإن غلبت الآدمي فثلث للطعام } الحديث وأخرج الترمذي وحسنه وابن ماجه ، والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال { : تجشأ رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كف عنا جشاءك ، فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة } وفي صحيح الحاكم أن الرجل هو أبو جحيفة . { فعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال : أكلت ثريدة من خبز ولحم ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أتجشأ فقال : يا هذا كف عنا من جشائك ، فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا يوم القيامة } قال الحاكم صحيح الإسناد واعترضه الحافظ المنذري ، ثم قال لكن رواه البزار بإسنادين : أحدهما ثقات ورواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير ، والأوسط ، والبيهقي وزاد { فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا كان إذا تغدى لا يتعشى وإذا تعشى لا يتغدى } .

وفي رواية لابن أبي الدنيا قال أبو جحيفة : فما ملأت بطني منذ ثلاثين سنة وأخرج الطبراني بإسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع غدا في الآخرة } وفي معجم البغوي عن عبد الرحمن بن المرقع رضي الله عنه قال : { فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، وهي بخضرة من الفواكه فواقع الناس الفاكهة فمعثتهم الحمى فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما الحمى رائد الموت وسجن الله في أرضه ، وهي قطعة من النار ، فإذا أخذتكم فبردوا الماء في الشنان فصبوها [ ص: 110 ] عليكم بين الصلاتين يعني بين المغرب ، والعشاء قال ففعلوا ذلك فذهبت عنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم يخلق الله وعاء إذا ملئ شرا من بطن ، فإذا كان لا بد فاجعلوا ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للريح } . وإلى هذا أشار الناظم بقوله : ومكروه الإسراف والثلث أكد .

التالي السابق


الخدمات العلمية