غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في كراهة النوم فوق سطح غير محجر : ويكره نوم فوق سطح ولم يحط عليه بتحجير لخوف من الردي ( ويكره ) تنزيها على الأصح لأن الغالب السلامة ، وما غالبه السلامة لا يحرم فعله ويكون النهي عنه للأدب .

قال في الآداب الكبرى : ويتوجه قول ثالث ، وهو اختلاف ذلك بالأشخاص وعاداتهم وصغر الأسلحة ووسعها نظرا للمعنى ( نوم ) من مكلف ولعله وتمكين ولي غيره منه ( فوق سطح ) لبيت ولعل مثله شاهق من الجبال حيث خيف منه السقوط ( و ) الحال أن للسطح ونحوه ( لم يحط عليه ) أي على جوانبه ( بتحجير ) يمنع من السقوط عن الحائط . والمراد بالتحجير هنا الحجرة التي تحاط على السطح ; لأنها تمنع صاحبها النائم من الوقوع ، لأن النوم زوال شعور وعقل ، وقد قيل للعقل حجر لأنه يحجر على صاحبه الجهل لا يقع فيه .

إنما كره النوم على السطح الذي لا تحجير عليه ( ل ) أجل ( خوف ) على النائم ( من ) الفعل ( الرديء ) أي الهبوط والسقوط والتردي عن السطح المؤدي إلى إتلاف الساقط غالبا . والشارع طبيب الأبدان ، ومقوم الأديان ، فلشدة شفقته على خلق الله نهاهم عن النوم كذلك ويجري كون التحجير مثل مؤخرة الرحل .

قال مثنى : قلت لأبي عبد الله رضي الله عنه : ما تقول في الرجل ينام على سطح ليس بمحجر ؟ قال مكروه ويجزيه الذراع مثل آخرة الرحل .

أخرج أبو داود عن عبد الرحمن بن علي يعني ابن شيبان عن أبيه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من بات على ظهر بيت ليس له حجار فقد برئت منه الذمة } قال الحافظ المنذري : هكذا وقع في روايتنا : حجار بالراء بعد الألف .

وفي بعض النسخ حجاب بالباء الموحدة وهو بمعناه . قال في النهاية : الحجار جمع حجر بالكسر هو الحائط أو من الحجرة [ ص: 361 ] وهي حظيرة الإبل ويروى حجاب بالباء وهو ما يمنع من السقوط . ورواه الخطابي في معالم السنن حجا وقال يروى بكسر الحاء وفتحها ومعناه فيها معنى الستر المانع من السقوط بالعقل ، والفتح يريد الناحية والطرف . وأحجاء الشيء نواحيه واحدها حجا . قال في النهاية : أي لكل أحد من الله عهد بالحفظ والكلاءة ، فإذا ألقى بيده إلى التهلكة أو فعل ما حرم عليه أو خالف ما أمر به خذلته ذمة الله .

وروى الترمذي عن جابر رضي الله عنه { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينام الرجل على سطح ليس بمحجور عليه } . قال الترمذي : غريب . والطبراني عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من رمانا بالليل فليس منا ، ومن رقد على سطح لا جدار له فمات فدمه هدر } . وعن أبي عمران الجوني قال : كنا بفارس وعلينا أمير يقال له زهير بن عبد الله فأبصر إنسانا فوق بيت أو إجار ليس حوله شيء ، فقال : لي سمعت في هذا شيئا ؟ قلت : لا . قال : حدثني رجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من بات فوق إجار أو فوق بيت ليس حوله شيء يرد رجليه فقد برئت منه الذمة ، ومن ركب البحر بعد ما يرتج فقد برئت منه الذمة } رواه الإمام أحمد مرفوعا هكذا وموقوفا ورواتهما ثقات ، والبيهقي مرفوعا .

وفي رواية للبيهقي عن أبي عمران أيضا قال : كنت مع زهير الشنوي فأتينا على رجل نائم على ظهر جدار وليس له ما يدفع رجليه فضرب برجله ثم قال قم ، ثم قال زهير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحو ما تقدم .

قال الحافظ المنذري : الإجار بكسر الهمزة وتشديد الجيم هو السطح ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية