[ ص: 676 ] باب لا :
وتأتي في الكلام لمعان تكون للنهي على مقابلة الأمر لأنه يقال اضرب زيدا فتقول لا تضربه ويقال اضرب زيدا وعمرا فتقول لا تضرب زيدا ولا عمرا بتكريرها لأنه جواب عن اثنين فكان مطابقا لما بني عليه من حكم الكلام السابق فإن قوله اضرب زيدا وعمرا جملتان في الأصل قال
ابن السراج لو قلت لا تضرب زيدا وعمرا لم يكن هذا نهيا عن الاثنين على الحقيقة لأنه لو ضرب أحدهما لم يكن مخالفا لأن النهي لم يشملهما فإذا أردت الانتهاء عنهما جميعا فنهي ذلك لا تضرب زيدا ولا عمرا فمجيئها هنا لانتظام النهي بأسره وخروجها إخلال به هذا لفظه ووجه ذلك أن الأصل لا تضرب زيدا ولا تضرب عمرا لكنهم حذفوا الفعل اتساعا لدلالة المعنى عليه لأن لا الناهية لا تدخل إلا على فعل فالجملة الثانية مستقلة بنفسها مقصودة بالنهي كالجملة الأولى وقد يظهر الفعل ويحذف لا لفهم المعنى أيضا فيقال لا تضرب زيدا وتشتم عمرا ومثله لا تأكل السمك وتشرب اللبن أي لا تفعل واحدا منهما وهذا بخلاف لا تضرب زيدا وعمرا حيث كان الظاهر أن النهي لا يشملهما لجواز إرادة الجمع بينهما وبالجملة فالفرق غامض وهو أن العامل في لا تأكل السمك وتشرب اللبن متعين وهو لا وقد يجوز حذف العامل لقرينة والعامل في لا تضرب زيدا وعمرا غير متعين إذ يجوز أن تكون الواو بمعنى مع فوجب إثباتها رفعا للبس .
وقال بعض المتأخرين : يجوز في الشعر لا تضرب زيدا وعمرا على إرادة ولا عمرا وتكون للنفي فإذا دخلت على اسم نفت متعلقه لا ذاته لأن الذوات لا تنفى فقولك لا رجل في الدار أي لا وجود رجل في الدار وإذا دخلت على المستقبل عمت جميع الأزمنة إلا إذا خص بقيد ونحوه نحو والله لا أقوم وإذا دخلت على الماضي نحو والله لا قمت قلبت معناه إلى الاستقبال وصار المعنى والله لا أقوم وإذا أريد الماضي قيل والله ما قمت وهذا كما تقلب لم معنى المستقبل إلى الماضي نحو لم أقم والمعنى ما قمت وجاءت بمعنى غير نحو جئت بلا ثوب
[ ص: 677 ] وغضبت من لا شيء أي بغير ثوب وبغير شيء يغضب ومنه ولا الضالين وإذا كانت بمعنى غير وفيها معنى الوصفية فلا بد من تكريرها نحو مررت برجل لا طويل ولا قصير وجاءت لنفي الجنس وجاز لقرينة حذف الاسم نحو لا عليك أي لا بأس عليك وقد يحذف الخبر إذا كان معلوما نحو لا بأس ثم النفي قد يكون لوجود الاسم نحو لا إله إلا الله والمعنى لا إله موجود أو معلوم إلا الله والفقهاء يقدرون نفي الصحة في هذا القسم وعليه يحمل لا نكاح إلا بولي وقد يكون لنفي الفائدة والانتفاع والشبه ونحوه نحو لا ولد لي ولا مال أي لا ولد يشبهني في خلق أو كرم ولا مال أنتفع به والفقهاء يقدرون نفي الكمال في هذا القسم ومنه لا وضوء لمن لم يسم الله وما يحتمل المعنيين فالوجه تقدير نفي الصحة لأن نفيها أقرب إلى الحقيقة وهي في الوجود ولأن في العمل به وفاء بالعمل بالمعنى الآخر دون عكس وقد تقدم بعض ذلك في نفى وجاءت بمعنى لم كقوله تعالى {
فلا صدق ولا صلى } أي فلم يتصدق وجاءت بمعنى ليس نحو {
لا فيها غول } أي ليس فيها ومنه قولهم لاها الله ذا أي ليس والله ذا والمعنى لا يكون هذا الأمر وجاءت جوابا للاستفهام يقال هل قام زيد فيقال لا وتكون عاطفة بعد الأمر والدعاء والإيجاب نحو أكرم زيدا لا عمرا واللهم اغفر لزيد لا عمرو وقام زيد لا عمرو ولا يجوز ظهور فعل ماض بعدها لئلا يلتبس بالدعاء فلا يقال قام زيد لا قام عمرو .
وقال
ابن الدهان : ولا تقع بعد كلام منفي لأنها تنفي عن الثاني ما وجب للأول فإذا كان الأول منفيا فماذا تنفي وقال
ابن السراج وتبعه
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني معنى لا العاطفة التحقيق للأول والنفي عن الثاني فتقول قام زيد لا عمرو واضرب زيدا لا عمرا وكذلك لا يجوز وقوعها أيضا بعد حروف الاستثناء فلا يقال قام القوم إلا زيدا ولا عمرا وشبه ذلك وذلك لأنها للإخراج مما دخل فيه الأول والأول هنا منفي ولأن الواو للعطف ولا للعطف ولا يجتمع حرفان بمعنى واحد قال
ابن السراج والنفي في جميع العربية ينسق عليه بلا إلا في الاستثناء وهذا القسم دخل في عموم قولهم لا يجوز وقوعها بعد كلام منفي قال
السهيلي ومن شرط العطف بها أن لا يصدق المعطوف عليه على المعطوف فلا يجوز قام رجل لا زيد ولا قامت امرأة لا هند وقد نصوا على جواز اضرب رجلا
[ ص: 678 ] لا زيدا فيحتاج إلى الفرق وتكون زائدة نحو {
ولا تستوي الحسنة ولا السيئة } وما منعك أن لا تسجد أي من السجود إذ لو كانت غير زائدة لكان التقدير وما منعك من عدم السجود فيقتضي أنه سجد والأمر بخلافه وتكون مزيلة للبس عند تعدد المنفي نحو ما قام زيد ولا عمرو إذ لو حذفت لجاز أن يكون المعنى نفي الاجتماع ويكون قد قاما في زمنين فإذا قيل ما قام زيد ولا عمرو زال اللبس وتعلق النفي بكل واحد منهما ومثله لا تجد زيدا وعمرا قائما فنفيهما جميعا لا تجد زيدا ولا عمرا قائما وهذا قريب في المعنى من النهي وتكون عوضا من حرف الشأن والقصة ومن إحدى النونين في أن إذا خففت نحو ( {
أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا } ) وتكون للدعاء نحو لا سلم ومنه {
ولا تحمل علينا إصرا } وتجزم الفعل في الدعاء جزمه في النهي وتكون مهيئة نحو لولا زيد لكان كذا لأن لو كان يليها الفعل فلما دخلت لا معها غيرت معناها ووليها الاسم وهي في هذه الوجوه حرف مفرد ينطق بها مقصورة كما يقال با تا ثا بخلاف المركبة نحو الأعلم والأفضل فإنها تتحلل إلى مفردين وهما لام وألف وتكون عوضا عن الفعل نحو قولهم إما لا فافعل هذا فالتقدير إن لم تفعل ذلك فافعل هذا والأصل في هذا أن الرجل يلزمه أشياء ويطالب بها فيمتنع منها فيقنع منه ببعضها ويقال له إما لا فافعل هذا أي إن لم تفعل الجميع فافعل هذا ثم حذف الفعل لكثرة الاستعمال وزيدت ما على إن عوضا عن الفعل ولهذا تمال لا هنا لنيابتها عن الفعل كما أميلت بلى ويا في النداء ومثله قولهم من أطاعك فأكرمه ومن لا فلا تعبأ به بإمالة لا لنيابتها عن الفعل وقيل الصواب عدم الإمالة لأن الحروف لا تمال قاله
الأزهري .