المسألة الخامسة " قوله تعالى : {
خذوا زينتكم }
وإن كان واردا على طواف العريان ، فإنه عندنا عام في كل مسجد للصلاة ; ومن العلماء من أنكر أن يكون المراد به الطواف ; لأن
الطواف لا يكون إلا في مسجد واحد . والذي يعم كل مسجد هو الصلاة ، وهذا قول من خفي عليه مقاصد اللغة والشريعة .
وبيانه أنهم كانوا يطوفون عراة في المسجد فنزلت : {
خذوا زينتكم عند كل مسجد } ، ليكون العموم شاملا لكل مسجد ، والسبب الذي أثار ذلك ما كانوا يفعلونه في أفضل المساجد ، والصحابة الذين هم أرباب اللغة والشريعة أخبروا بذلك ، ولم يخف عليهم نظام الكلام ، ولا كيف كان وروده ، اجتزءوا بورود الآية ومنحاها ، فلا مطمع لعالم في أن يسبق شأوهم في تفسير أو تقدير .
[ ص: 308 ]
المسألة السادسة : قوله تعالى : {
عند كل مسجد }
قال بعضهم : ظاهر هذا الكلام الورود بأخذ الزينة للفعل الواقع في المسجد ، تعظيما للمسجد ، ولا يدل ذلك على وجوب الستر خارج المسجد ، فزاد الناس ، فقالوا : " هذا يدل على وجوب الفعل للعورة في الصلاة ; فإنه ليس الأمر بالستر في المسجد لبين المسجد ، وإنما هو للفعل الواقع في المسجد .
والفعل الواقع في المسجد على ثلاثة أقسام : طواف ، ولا يعم كل مسجد واعتكاف ، ولم يشرف لأجله ; فلم يبق إلا الصلاة ; وقد ألزم الستر لها ، فكان ذلك شرطا فيها .
وقد قام الدليل على سقوط ما زاد على العورة ، وبقي ما قابل العورة على ظاهره ، وقد بينا فساد هذا من قبل ; فإن الأمر بالزينة عند كل مسجد يحتمل أن يكون لأجل ما فيه من اجتماع الناس .
فإن قيل : ويجتمعون في الأسواق .
قلنا : ليس ذلك اجتماعا مشروعا ; بل يجوز تفرقهم . وها هنا إن تفرقوا في المساجد كان ذلك قطعا للجماعة ، وخرقا للصفوف ; إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32067لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة } . خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره .
وأما قوله : إن الطواف لا يعم كل مسجد فقد تقدم الجواب عنه .