المسألة الثالثة : قال علماؤنا : اختلف في
إحكام هذه الآية أو نسخها قوله على قولين بيناهما في القسم الثاني .
[ ص: 517 ] والصحيح أنها غير منسوخة ، وقد تكون حالة يجب فيها نفير الكل إذا تعين الجهاد على الأعيان بغلبة العدو على قطر من الأقطار ، أو بحلوله بالعقر ; فيجب على كافة الخلق الجهاد والخروج إليه ; فإن قصروا عصوا .
ولقد نزل بنا العدو قصمه الله سنة سبع وعشرين وخمسمائة ; فجاس ديارنا ، وأسر جيرتنا ، وتوسط بلادنا في عدد هال الناس عدده ، وكان كثيرا ، وإن لم يبلغ ما حددوه ، فقلت للوالي والمولى عليه : هذا عدو الله ، وقد حصل في الشرك والشبكة ، فلتكن عندكم بركة ، ولتظهر منكم إلى نصرة دين الله المتعينة عليكم حركة ، فليخرج إليه جميع الناس حتى لا يبقى منهم أحد في جميع هذه الأقطار فيحاط به فإنه هالك لا محالة إن يسركم الله له ; فغلبت الذنوب ، ووجفت القلوب بالمعاصي ، وصار كل أحد من الناس ثعلبا يأوي إلى وجاره ، وإن رأى المكروه بجاره ; فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
ومن الناس من قال : إنها منسوخة بقوله : {
وما كان المؤمنون لينفروا كافة } . وذلك بين في موضعه .
المسألة الرابعة : إذا كان النفير عاما لغلبة العدو على الحوزة ، أو استيلائه على الأسارى كان النفير عاما ، ووجب
الخروج خفافا وثقالا ، وركبانا ورجالا ، عبيدا وأحرارا ، من كان له أب من غير إذنه ، ومن لا أب له ، حتى يظهر دين الله ، وتحمى البيضة ، وتحفظ الحوزة ، ويخزى العدو ، ويستنقذ الأسرى .
ولا خلاف في هذا .
ولقد روي أن بعض الأمراء عاهد كفارا ألا يحبسوا أسيرا ، فدخل رجل من جهته بلادهم ، فمر على بيت مغلق ، فنادته امرأة : إني أسيرة ، فأبلغ صاحبك خبري .
فلما اجتمع به ، استطعمه عنده ، وتجاذبا ذيل الحديث انتهى الخبر إلى هذه المعذبة ، فألقاه إليه ، فما أكمل حديثه حتى قام الأمير على قدمه ، وخرج غازيا من فوره ، ومشى
[ ص: 518 ] إلى البلد حتى أخرج الأسيرة ، واستولى على الموضع ، فكيف بنا وعندنا عهد الله ألا نسلم إخواننا إلى الأعداء ، وننعم وهم في الشقاء ، أو نملك بالحرية وهم أرقاء .
يالله ، ولهذا الخطب الجسيم ، نسأل الله التوفيق للجمهور ، والمنة بصلاح الآمر والمأمور .