[ ص: 243 ] الآية التاسعة عشرة قوله تعالى :
{ قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا } .
فيها مسألة واحدة : الخرج : الجزاء والأجرة ، وكان ملكا ينظر في أمورهم ، ويقوم بمصالحهم ، فعرضوا عليه جزاء في أن يكف عنهم ما يجدونه من عادية
يأجوج ومأجوج ، وعلى الملك فرض أن يقوم بحماية الخلق في حفظ بيضتهم ، وسد فرجتهم ، وإصلاح ثغرهم من أموالهم التي تفيء عليهم ، وحقوقهم التي يجمعها خزنتهم تحت يده ونظره ، حتى لو أكلتها الحقوق ، وأنفدتها المؤن ، واستوفتها العوارض ، لكان عليهم جبر ذلك من أموالهم ، وعليه حسن النظر لهم ، وذلك بثلاثة شروط :
الأول : ألا يستأثر بشيء عليهم .
الثاني : أن يبدأ بأهل الحاجة منهم فيعينهم .
الثالث : أن يسوي في العطاء بينهم على مقدار منازلهم ، فإذا فنيت بعد هذا ذخائر الخزانة وبقيت صفرا فأطلعت الحوادث أمرا بذلوا أنفسهم قبل أموالهم ، فإن لم يغن ذلك فأموالهم تؤخذ منهم على تقدير ، وتصرف بأحسن تدبير .
فهذا
ذو القرنين لما عرضوا عليه المال قال : لست أحتاج إليه ، وإنما أحتاج إليكم فأعينوني بقوة ، أي اخدموا بأنفسكم معي ، فإن الأموال عندي والرجال عندكم ; ورأى أن الأموال لا تغني دونهم ، وأنهم إن أخذوها أجرة نقص ذلك مما يحتاج إليه ، فعاد عليهم بالأخذ ، فكان التطوع بخدمة الأبدان أولى . وقد بينا ذلك كله في كتاب الفيء والخراج والأموال من شرح الحديث بيانا شافيا ، وهذا القدر يتعلق بالقرآن من الأحكام ، وتمامه هنالك .
وضبط الأمر فيه أنه لا يحل أخذ مال أحد إلا لضرورة تعرض فيؤخذ ذلك المال جهرا لا سرا ، وينفق بالعدل لا بالاستئثار ، وبرأي الجماعة لا بالاستبداد بالرأي . والله الموفق للصواب .