الآية السادسة
قوله تعالى : {
وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون } .
فيها خمس مسائل :
المسألة الأولى : هذه من نعم الله على خلقه ، ومما امتن عليهم به ، ومن أعظم المنن الماء الذي به حياة الأبدان ونماء الحيوان .
[ ص: 317 ] والماء المنزل من السماء على قسمين : هذا الذي ذكره الله في هذه الآية ، وأخبر عنه بأنه استودعه في الأرض ، وجعله فيها مخزونا لسقيا الناس ، يجدونه [ عدة ] عند الحاجة إليه ، وهو ماء الأنهار والعيون ، وما يستخرج من الآبار .
والقسم الآخر هو الذي ينزل من السماء على الأرض في كل وقت .
المسألة الثانية :
روى
أشهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه سئل عن قول الله تعالى : {
وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض } الآية ، أهو في الخريف فيما بلغك ، قال : لا والله ; بل هذا في الخريف والشتاء ، وكل شيء ينزل ماؤه من السماء إذا شاء ، ثم هو على ذهاب به لقادر .
قال
القاضي : هذا الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك محتمل ; فإن الله أنزل من السماء ماء ، فأسكنه في الأرض ، ثم ينزله في كل وقت ، فيكون منه غذاء ، ومنه اختزان زائد على ما كان عليه .
وقد قال
أشهب : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : هي الأرض التي لا نبات فيها يعني قوله : {
أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا } ، وقوله : {
والسماء ذات الرجع } يعني المطر ، {
والأرض ذات الصدع } يعني النبات . وهذا يكون في كل لحظة ، كما جاء في الأثر : {
إن الله لا يخلي الأرض من مطر في عامر أو غامر ، وإنه ما نزل من السماء ماء إلا بحفظ ملك موكل به ، إلا ما كان من ماء الطوفان ، فإنه خرج منه ما لم يحفظه الملك } ، وذلك قوله تعالى : {
إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية }
[ ص: 318 ] لأن الماءين التقيا على أمر قد قدر ما كان في الأرض وما نزل من السماء بالإقلاع ، فلم تمتص الأرض من قطره ، وأمر الأرض بابتلاع ما خرج منها فقط ، وذلك قوله تعالى : {
وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء } .
وهذا يدل على أن الأرض لم تشرب من ماء السماء قطرة .
نكتة أصولية : قال القاضي
أبو بكر : قوله : {
والسماء ذات الرجع } فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه ذات المطر ; لأنها ترجع في كل عام إلى الحالة التي كانت عليها من إنزال المطر منها .
وظن بعض الناس كما بينا أنها ترد ما أخذت من الأرض من الماء ; إذ السحاب يستقي من البحر ، وأنشدوا في ذلك قول
الهذلي :
شربن بماء البحر ثم ترفعت متى لجج لهن نئيج
يعني السحاب ، وهذه دعوى عريضة طويلة ، وهي في قدرة الله جائزة ، ولكنه أمر لا يعلم بالنظر ، وإنما طريقه الخبر ، ولم يرد بذلك أثر .
المسألة الثالثة : قوله تعالى : {
وإنا على ذهاب به لقادرون } :
يعني لقادرون على إذهاب الماء الذي أسكناه في الأرض ، فيهلك الناس بالعطش ، وتهلك مواشيهم ، وهذا كقوله : {
قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين } وقد قال : {
وأنزلنا من السماء ماء طهورا } وهي :
المسألة الرابعة :
فهذا عام في ماء المطر والماء المختزن في أرض ، فصارت إحدى الآيتين عامة وهي آية الطهور . والآية الأخرى خاصة وهي
ماء القدر المسكن في الأرض ، ومن هاهنا
[ ص: 319 ] قال من قال : إن
ماء البحر لا يتوضأ به ; لأنه مما لم يخبر الله عنه أنه أنزل من السماء .
وقد بينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39003هو الطهور ماؤه الحل ميتته } ، وهذا نص فيه .