[ ص: 448 ] الآية الخامسة
قوله تعالى : {
وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا } .
فيها ثلاث مسائل : المسألة الأولى : في
التوكل : وهو تفعل من الوكالة ، أي اتخذه وكيلا . وقد بيناه في كتاب الأمد ، وهو إظهار العجز والاعتماد على الغير . المسألة الثانية :
أصل هذا علم العبد بأن المخلوقات كلها من الله ، لا يقدر أحد على الإيجاد سواه ، فإن كان له مراد ، وعلم أنه بيد الذي لا يكون إلا ما أراد ، جعل له أصل التوكل ، وهذا فرض عين ، وبه يصح الإيمان الذي هو شرط التوكل قال الله تعالى : {
وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } . المسألة الثالثة :
يتركب على هذا من سكون القلب ، وزوال الانزعاج والاضطراب ، أحوال تلحق بالتوكل في كماله ، ولهذه الأحوال أقسام ، ولكل قسم اسم : الحالة الأولى : أن يكتفي بما في يده ، لا يطلب الزيادة عليه ، واسمه القناعة .
الحالة الثانية : أن يكتسب زيادة على ما في يده ، ولا ينفي ذلك التوكل عندنا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33613لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم ، كما يرزق الطير ، تغدو خماصا ، وتروح بطانا } .
فإن قيل : هذا حجة عليك ; لأن الطير لا تزيد على ما في اليد ولا تدخر لغد .
قلنا : إنما الاحتجاج بالغدو ، والرواح الاعتمال في الطلب .
[ ص: 449 ] فإن قيل : أراد بقوله : تغدو في الطاعة ، بدليل قوله : {
وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى } .
قلنا : إنما أراد بالغدو الاغتداء في طلب الرزق ، فأما الإقبال على العبادة وهي الحالة الثالثة ، وهو أن يقبل على العبادة ويترك طلب العادة فإن الله يفتح له . وعلى هذا كان
أهل الصفة ، وهذا حالة لا يقدر عليها أكثر الخلق ، وبعد هذا مقامات في التفويض والاستسلام ، وقد بيناها في كتاب أنوار الفجر ، والله الموفق .