الآية الثالثة
قوله تعالى : { وثيابك فطهر }
فيها مسألتان :
المسألة الأولى اختلف العلماء في تأويل هذه الآية على قولين : أحدهما أنه أراد نفسك فطهر ، والنفس يعبر عنها بالثياب [ كما ] قال
امرؤ القيس :
وإن تك قد ساءتك منى خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي
[ ص: 295 ] الثاني أن المراد به الثياب الملبوسة ، فتكون حقيقة ، ويكون [ التأويل ] الأول مجازا . والذي يقول : إنها الثياب المجازية أكثر . روى
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه قال : ما يعجبني أن أقرأ القرآن إلا في الصلاة والمساجد ، لا في الطريق قال الله تعالى : {
وثيابك فطهر } يريد
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه كنى بالثياب عن الدين .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16470عبد الله بن نافع عن
أبي بكر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس في قوله تعالى : {
وثيابك فطهر } أي لا تلبسها على غدرة .
وقد روي ذلك مسندا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وكثيرا ما تستعمله
العرب في ذلك كله قال
أبو كبشة :
ثياب بني عوف طهارى نقية وأوجههم عند المشاعر غران
يعني بطهارة ثيابهم سلامتهم من الدناءات ، ويعني بغرة وجوههم تنزيههم عن الحرمات ، أو جمالهم في الخلقة ، أو كليهما . وقد قال
غيلان بن سلمة الثقفي :
فإني بحمد الله لا ثوب غادر لبست ولا من غدرة أتقنع
المسألة الثانية ليس بممتنع أن تحمل الآية على عموم المراد فيها بالحقيقة والمجاز ، على ما بيناه في أصول الفقه . وإذا حملناها على الثياب المعلومة [ الظاهرة ] فهي تتناول معنيين : أحدهما تقصير الأذيال ، فإنها إذا أرسلت تدنست ; ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب لغلام من
الأنصار وقد رأى ذيله مسترخيا : يا غلام ، ارفع إزارك ، فإنه أتقى وأنقى وأبقى . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10693إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ، وما كان أسفل من ذلك ففي النار } ; فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الغاية في لباس الإزار الكعب ، وتوعد ما تحته بالنار ; فما بال رجال يرسلون أذيالهم ، ويطيلون ثيابهم ، ثم يتكلفون رفعها بأيديهم .
وهذه حالة الكبر وقائدة العجب ، وأشد ما في الأمر أنهم يعصمون ويحتجون ، ويلحقون أنفسهم بمن لم يجعل الله معه غيره ، ولا ألحق
[ ص: 296 ] به سواه . قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32079لا ينظر الله لمن جر ثوبه خيلاء } . ولفظ الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36157من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله له يوم القيامة . قال أبو بكر : يا رسول الله ; إن أحد شقي إزاري يسترخي ، إلا أن أتعاهد ذلك منه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لست ممن يصنعه خيلاء } . فعم رسول الله صلى الله عليه وسلم [ بالنهي ] ، واستثنى
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق ، فأراد الأدنياء إلحاق أنفسهم بالأقصياء ; وليس ذلك لهم .
والمعنى الثاني : غسلها من النجاسة ; وهو ظاهر منها صحيح فيها . وقد بينا اختلاف الأقوال في ذلك بصحيح الدلائل ، ولا نطول بإعادته ، وقد أشار بعض
الصوفية إلى أن معناه وأهلك فطهر ; وهذا جائز ، فإنه قد يعبر عن الأهل بالثياب . قال الله تعالى : {
هن لباس لكم وأنتم لباس لهن }