المسألة العاشرة : قوله تعالى : {
ومن قتله منكم متعمدا } فذكر الله سبحانه وتعالى المتعمد في وجوب الجزاء خاصة ، وفي ذلك ثلاثة أقسام ، متعمد ، ومخطئ ، وناس ; فالمتعمد هو القاصد للصيد مع العلم بالإحرام ، والمخطئ هو الذي يقصد شيئا فيصيب صيدا . والناسي هو الذي يتعمد الصيد ولا يذكر إحرامه . واختلف الناس في ذلك على ثلاثة أقوال :
الأول : أنه يحكم عليه في العمد والخطأ والنسيان ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ويروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء والحسن nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي والزهري .
الثاني : إذا قتله متعمدا لقتله ، ناسيا لإحرامه ; فأما إذا كان ذاكرا لإحرامه فقد حل ولا حج له ، ومن أخطأ فذلك الذي يجزي .
الثالث : لا شيء على المخطئ والناسي ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل في إحدى روايتيه . واختلف الذين قالوا بعموم الكفارة في توجيه ذلك على أربعة أقوال : الأول : أنه ورد القرآن بالعمد ، وجعل الخطأ تغليظا ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير .
والثاني : أن قوله : {
متعمدا } خرج على الغالب ، فألحق به النادر ، كسائر أصول الشريعة .
الثالث : قال
الزهري : إنه وجب الجزاء في العمد بالقرآن ، وفي الخطأ والنسيان بالسنة .
الرابع : أنه وجب بالقياس على قاتل الخطأ بعلة أنها كفارة إتلاف نفس ; فتعلقت بالخطأ ، ككفارة القتل ; وتعلق
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد بأنه أراد متعمدا للقتل ناسيا لإحرامه ، لقوله بعد ذلك : {
ومن عاد فينتقم الله منه } ، ولو كان ذاكرا لإحرامه لوجبت عليه العقوبة لأول مرة .
[ ص: 179 ]
وتعلق
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في إحدى روايتيه ومن تابعه عليها بأنه خص المتعمد بالذكر ، فدل على أن غيره بخلافه ، وزاد بأن قال الأصل براءة الذمة ، فمن ادعى شغلها فعليه الدليل .
وأما متعلق من قال : وجب في النسيان تغليظا فدعوى تحتاج إلى دليل . وأما من قال : إنه خرج على الغالب فحكمة الآية وفائدة التخصيص ما قالوه ، فأين دليله ؟ وأما من قال : إنه وجب في النسيان بالسنة فإن كان يريد به الآثار التي وردت عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر فنعما هي ، وما أحسنها أسوة ، وأما من تعلق بالقياس على كفارة القتل فيصح ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي الذي يرى الكفارة في قتل الآدمي عمدا وخطأ ، فأما نحن وقد عقدنا أصلنا على أن قتل العمد في الآدمي لا كفارة فيه ، وفي قتل الصيد عمدا الكفارة فلا يصح ذلك منا لوجود المناقضة منا بالمخالفة فيه بينه وبينه عندنا . والذي يتحقق من الآية أن معناها أن
من قتل الصيد منكم متعمدا لقتله ناسيا لإحرامه ، أو جاهلا بتحريمه ، فعليه الجزاء ; لأن ذلك يكفي لوصف التعمد ، فتعلق الحكم به ، لاكتفاء المعنى معه . وهذا دقيق فتأملوه .
فأما إذا قتله متعمدا للقتل والإحرام فذلك أبلغ في وصف العمدية ; لكن من الناس من قال : لا حج له . وهذه دعوى لا يدلك عليها دليل من ظاهر القرآن ولا من السنة ولا من المعنى ، وسنستوفي بقية القول في آخر الآية إن شاء الله .