قوله : وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تقدم استدلال من استدل بهذا على أن حجه صلى الله عليه وسلم كان إفرادا ، وتقدم الجواب عن ذلك قوله : فأحلوا حين طافوا بالبيت فيه دليل لمذهب الجمهور أن المعتمر لا يحل حتى يطوف ويسعى قال ابن بطال : لا أعلم خلافا بين أئمة الفتوى أن المعتمر لا يحل حتى يطوف ويسعى إلا ما شذ به nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فقال : يحل من العمرة بالطواف ووافقه nindex.php?page=showalam&ids=12418ابن راهويه .
ونقل القاضي عياض عن بعض أهل العلم أن بعض الناس ذهب إلى أن المعتمر إذا دخل الحرم حل وإن لم يطف ولم يسع وله أن يفعل كل ما حرم على المحرم ويكون الطواف والسعي في حقه كالرمي والمبيت في حق الحاج وهذا من شذوذ المذاهب وغريبها وغفل القطب الحلبي فقال : فيمن استلم الركن في ابتداء الطواف وأحل حينئذ أنه لا يحصل له التحلل بالإجماع .
قوله : ( أحلوا من [ ص: 65 ] إحرامكم ) أي : : اجعلوا حجكم عمرة وتحللوا منها بالطواف والسعي . قوله : ( وقصروا ) أمرهم بالتقصير ; لأنهم يهلون بعد قليل بالحج فأخر الحلق ; لأن بين دخولهم وبين يوم التروية أربعة أيام فقط . قوله : ( متعة ) أي : : اجعلوا الحجة المفردة التي أهللتم بها عمرة تحللوا منها فتصيروا متمتعين فأطلق على العمرة أنها متعة مجازا والعلاقة بينهما ظاهرة ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=17622فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ، ونجعلها عمرة } ونحوه في رواية الباقر عن جابر . وفي الحديث الطويل عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
قوله : ( افعلوا ما أمرتكم ) فيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من لطفه بأصحابه وحلمه عنهم . قوله : ( لا يحل مني حرام ) بكسر الحاء من يحل ، والمعنى لا يحل ما حرم علي . ووقع في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " لا يحل مني حراما " بالنصب على المفعولية ، وعلى هذا فيقرأ " يحل " بضم أوله ، والفاعل محذوف تقديره : لا يحل طول المكث أو نحو ذلك مني شيئا حراما " حتى يبلغ الهدي محله " أي : : إذا نحرته يوم مني واستدل به على أن من اعتمر فساق هديا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر ، ومثله ما في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بلفظ : { nindex.php?page=hadith&LINKID=35343من أحرم بعمرة فأهدى فلا يحل حتى ينحر } وتأول ذلك المالكية والشافعية على أن معناه : ومن أحرم بعمرة فأهدى فأهل بالحج فلا يحل حتى ينحر هديه ولا يخفى ما فيه من التعسف .
قوله : ( قصرت ) أي : : أخذت من شعر رأسه وهو يشعر بأن ذلك كان في نسك إما في حج أو عمرة ، وقد ثبت أنه حلق في حجته فتعين أن يكون في عمرة ولا سيما وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " أن ذلك كان في المروة " ، وهذا يحتمل أن يكون في عمرة القضية أو الجعرانة ولكن قوله في الرواية الأخرى : في أيام العشر يدل على أن ذلك كان في حجة الوداع ; لأنه لم يحج غيرها وفيه نظر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله كما تقدم في الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرها .
وقد بالغ النووي في الرد على من زعم أن ذلك كان في حجة الوداع فقال : هذا الحديث محمول على أن nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارنا وثبت أنه حلق بمنى وفرق nindex.php?page=showalam&ids=86أبو طلحة شعره بين الناس فلا يصح حمل تقصير nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية على حجة الوداع ، ولا يصح حمله [ ص: 66 ] أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية لم يكن حينئذ مسلما إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان على الصحيح المشهور ، ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع ، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعا ; لأن هذا غلط فاحش فقد تظافرت الأحاديث فيnindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34455ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك فقال : إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر } .
قال الحافظ متعقبا لقوله : ( لا يصح حمله على عمرة القضاء ) . ما لفظه . قلت : يمكن الجمع بينهما بأنه كان أسلم خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح .
وقد أخرج nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية تصريحا بأنه أسلم بين الحديبية والقضة وأنه كان يخفي إسلامه خوفا من أبويه . ولا يعارضه قول nindex.php?page=showalam&ids=37سعد المتقدم : فعلناها - يعني : العمرة - وهذا - يعني : nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية - كافر بالعروش ; لأنه أخبر بما استصحبه من حاله ولم يطلع على إسلامه لكونه كان يخفيه . ولا ينافيه أيضا ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في الإكليل : أن الذي حلق رأس النبي صلى الله عليه وسلم في عمرته التي اعتمرها من الجعرانة أبو هند عبد بني بياضة ; لأنه يمكن الجمع بأن يكون nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية قصر عنه أولا وكان الحلاق غائبا في بعض حاجاته ثم حضر فأمره أن يكمل إزالة الشعر بالحلق ; لأنه أفضل ففعل ولا يعكر على كون ذلك في عمرة الجعرانة إلا رواية nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد المذكورة في الباب " أن ذلك كان في أيام العشر " إلا أنها كما قال ابن القيم : معلولة أو وهم من nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية وقد قال قيس بن سعد : راويها عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عنه ; والناس ينكرون هذا على nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية .
قال ابن القيم : وصدق قيس فنحن نحلف بالله أن هذا ما كان في العشر قط . وقال في الفتح : إنها شاذة قال : وأظن بعض رواتها حدث بها بالمعنى فوقع له ذلك . ا هـ وأيضا قد ترك ابن الجوزي في جامع المسانيد رواية nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد هذه وقد ذكر أنه لم يترك فيه من مسند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد إلا ما لم يصح . وقال بعضهم : يحتمل أن يكون في قول nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذف تقديره : قصرت أنا شعري عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وتعقب بأنه يرد ذلك قوله - في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد - : " قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة " وقال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : يحتمل أن يكون nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شعر لم يكن الحلاق استوفاه يوم النحر . وتعقبه صاحب الهدي بأن الحالق لا يبقي شعرا يقصر منه ولا سيما وقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم شعره بين أصحابه الشعرة والشعرتين .
وقد وافق النووي على ترجيح كون ذلك في عمرة الجعرانة المحب الطبري وابن القيم . قال الحافظ : وفيه نظر ; لأنه جاء أنه حلق في الجعرانة . ويجاب عنه بأن الجمع ممكن - كما سلف - .
قوله : ( بمشقص ) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح القاف وآخره صاد مهملة قال القزاز : هو نصل عريض يرمى به الوحش . وقال صاحب المحكم : هو الطويل من النصال وليس [ ص: 67 ] بعريض ، وكذا قال أبو عبيد .
وحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أخرجه أيضا الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم عن nindex.php?page=showalam&ids=14ابن الزبير " قال : من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر وما بعدها والفجر بمنى ثم يغدون إلى عرفة " قوله : " من يوم التروية " بفتح المثناة وسكون الراء وكسر الواو وتخفيف التحتانية ، وإنما سمي بذلك لأنهم كانوا يروون إبلهم فيه ويتروون من الماء ; لأن تلك الأماكن لم يكن فيها إذ ذاك آبار ولا عيون ، وأما الآن فقد كثرت جدا واستغنوا عن حمل الماء . قوله : ( يوم النفر ) بفتح النون وسكون الفاء . والأبطح البطحاء التي بين مكة ومنى وهي ما انبطح من الوادي واتسع وهي التي يقال لها المحصب والمعرس . وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة . قوله : ( افعل كما يفعل أمراؤك ) لما بين له المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم خشي عليه أن يحرص على ذلك فينسب إلى المخالفة أو تفوته الصلاة مع الجماعة فأمره بأن يفعل كما يفعل أمراؤه إذ كانوا لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين فأشار إلى أن الذي يفعلونه جائز ، وأن الاتباع أفضل ، وأحاديث الباب تدل على أن السنة أن يصلي الحاج الظهر يوم التروية بمكة وقد تقدم عنه أن السنة أن يصليها بمنى فلعله صلى بمكة للضرورة أو لبيان الجواز . وروى nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر من طريق nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " إذا زاغت الشمس فليرح إلى منى " [ ص: 68 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر أيضا بعد أن ذكر حديث nindex.php?page=showalam&ids=14ابن الزبير السابق قال به علماء الأمصار : قال : ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئا ثم روى عن عائشة " أنها لم تخرج من مكة يوم التروية حتى دخل الليل وذهب ثلثه " قال أيضا : والخروج إلى منى في كل وقت مباح إلا أن الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء قالا : لا بأس أن يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم أو يومين وكرهه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وكره الإقامة بمكة يوم التروية حتى يمسي إلا إن أدركه وقت الجمعة فعليه أن يصليها قبل أن يخرج .
1992 - ( وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=33333لما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس ، وقال : إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا } ) مختصر من nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم قوله : ( لما كان يوم التروية . . . إلخ ) ، قد تقدم الكلام على هذا . قوله : ( وركب ) . . . إلخ قال النووي : فيه بيان سنن أحدها : أن الركوب في تلك المواضع أفضل من المشي ، كما أنه في حملة الطريق أفضل من المشي هذا هو الصحيح في الصورتين أن الركوب أفضل nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي قول آخر ضعيف أن المشي أفضل وقال بعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : الأفضل في جملة الحج الركوب إلا في مواطن المناسك وهي مكة ومنى ومزدلفة وعرفات والتردد بينها . السنة الثانية : أن يصلي بمنى هذه الصلوات الخمس . السنة الثالثة : أن يبيت بمنى هذه الليلة وهي ليلة التاسع من ذي الحجة وهذا المبيت سنة ليس بركن ولا واجب فلو تركه فلا دم عليه بالإجماع انتهى . قوله : ( ثم مكث قليلا . . . إلخ ) فيه دليل على أن السنة أن لا يخرجوا من منى حتى تطلع الشمس وهذا متفق عليه . قوله : ( وأمر بقبة ) فيه استحباب النزول بنمرة إذا ذهبوا من منى ; لأن السنة أن لا يدخلوا عرفات إلا بعد زوال الشمس وبعد صلاتي الظهر والعصر جميعا فإذا زالت الشمس سار بهم الإمام إلى مسجد إبراهيم وخطب بهم [ ص: 69 ] خطبتين خفيفتين وتخفف الثانية جدا فإذا فرغ منهما صلى بهم الظهر والعصر جامعا فإذا فرغوا من الصلاة ساروا إلى الموقف . قوله : ( بنمرة ) بفتح النون وكسر الميم ويجوز إسكان الميم وهي موضع بجنب عرفات وليست من عرفات قوله : ( ولا تشك قريش ) . . . إلخ يعني : أن قريشا كانت تقف في الجاهلية بالمشعر الحرام وهو جبل المزدلفة يقال له قزح فظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم سيوافقهم قوله : ( فأجاز أي : جاوز المزدلفة ولم يقف بها بل توجه إلى عرفات ) قوله : ( أمر بالقصوا ) بفتح القاف والقصر ويجوز المد قال nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : القصوا التي قطع أذنها والجدع أكبر منه وقال أبو عبيد : القصوا المقطوعة الأذن عرضا وهو اسم لناقته صلى الله عليه وسلم قوله : ( فرحلت ) بتخفيف الحاء المهملة أي : جعل عليها الرحل . قوله : ( بطن الوادي ) هو وادي عرنة بضم العين وفتح الراء بعدها نون . قوله : ( فخطب . . . إلخ ) فيه استحباب الخطبة للإمام بالحجيج يوم عرفة في هذا الموضع ، وهو سنة باتفاق جماهير العلماء ، وخالف في ذلك المالكية . قوله : ( إن دماءكم . . إلخ ) قد تقدم شرح هذا في باب استحباب الخطبة يوم النحر من أبواب العيد . .