الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 61 ] باب السعي بين الصفا والمروة

                                                                                                                                            1981 - ( عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي تدور به إزاره وهو يقول : اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي } ) .

                                                                                                                                            1982 - ( وعن صفية بنت شيبة أن امرأة أخبرتها أنها { سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة يقول : كتب عليكم السعي فاسعوا } . رواهما أحمد ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث الأول أخرجه الشافعي أيضا وغيره من حديث صفية بنت شيبة عن حبيبة فلعل المرأة المبهمة في حديث صفية هي حبيبة وفي إسناده عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف وله طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة والطبراني عن ابن عباس قال في الفتح : وإذا انضمت إلى الأولى قويت قال : واختلف على صفية بنت شيبة في اسم الصحابية التي أخبرتها به ويجوز أن تكون أخذته عن جماعة فقد وقع عند الدارقطني عنها : أخبرتني نسوة من بني عبد الدار فلا يضره الاختلاف وحديث صفية بنت شيبة قال في مجمع الزوائد : في إسناده موسى بن عبيدة وهو ضعيف والعمدة في الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم : { خذوا عني مناسككم } قوله : ( تجراة ) قال في الفتح : بكسر المثناة وسكون الجيم بعدها راء ثم ألف ساكنة ثم هاء وهي إحدى نساء بني عبد الدار قوله : ( تدور به إزاره ) في لفظ آخر وإن مئزره ليدور من شدة السعي والضمير في قوله : به ، يرجع إلى الركبتين أي : تدور إزاره بركبتيه قوله : فإن الله كتب عليكم السعي استدل به من قال بأن السعي فرض وهم الجمهور وعند الحنفية أنه واجب يجبر بالدم وحكاه في البحر عن العترة وبه قال الثوري في الناسي خلاف العامد ، وبه قال عطاء وعنه أنه سنة لا يجب بتركه شيء وبه قال أنس فيما نقله عنه ابن المنذر واختلف عن أحمد كهذه الأقوال الثلاثة وقد أغرب الطحاوي فقال : قد أجمع العلماء على أنه لو حج ولم يطف بالصفا والمروة أن حجه قد تم وعليه دم ، والذي حكاه صاحب الفتح وغيره عن الجمهور أنه ركن لا يجبر بالدم ولا يتم الحج بدونه وأغرب ابن العربي فحكى أن السعي ركن في العمرة بالإجماع وإنما الخلاف في الحج وأغرب أيضا المهدي في البحر فحكى الإجماع على الوجوب . قال ابن المنذر : إن ثبت يعني : حديث حبيبة فهو حجة في الوجوب قال في الفتح : العمدة [ ص: 62 ] في الوجوب .

                                                                                                                                            قوله صلى الله عليه وسلم : ( خذوا عني مناسككم ) قلت : وأظهر من هذا في الدلالة على الوجوب حديث مسلم : { ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة }

                                                                                                                                            1983 - ( وعن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو } . رواه مسلم وأبو داود )

                                                                                                                                            1984 - ( وعن جابر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف وسعى ، رمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم قرأ : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فصلى سجدتين ، وجعل المقام بينه وبين الكعبة ، ثم استلم الركن ، ثم خرج فقال : إن الصفا والمروة من شعائر الله ، فابدءوا بما بدأ الله به } . رواه النسائي ، وفي حديث جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دنا من الصفا قرأ : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } أبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره ، وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك فقال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه في بطن الوادي حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا . } رواه مسلم وكذلك أحمد والنسائي بمعناه ) .

                                                                                                                                            قوله : ( فعلا عليه ) استدل به من قال بأن صعود الصفا واجب وهو أبو حفص بن الوكيل من أصحاب الشافعي وخالفه غيره من الشافعية وغيرهم فقالوا : هو سنة وقد تقدم أن فعله صلى الله عليه وسلم بيان لمجمل واجب قوله : ( فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء ) فيه استحباب الحمد والدعاء على الصفا قوله : ( طاف وسعى رمل ثلاثا ) فيه دليل على أنه يستحب أن يرمل في ثلاثة أشواط ويمشي في الباقي قوله : واتخذوا الآية ، وقد تقدم أن الروايات بكسر الخاء وهي إحدى القراءتين .

                                                                                                                                            قوله : ( { إن الصفا والمروة من شعائر الله } ) قال الجوهري : الشعائر أعمال الحج وكل ما جعل علما لطاعة الله قوله : { فابدءوا بما بدأ الله به } بصيغة الأمر في رواية النسائي وصححه ابن حزم والنووي في شرح مسلم وله طرق عند الدارقطني ورواه مسلم بلفظ أبدأ بصيغة الخبر كما في الرواية المذكورة [ ص: 63 ] في الباب ورواه أحمد ومالك وابن الجارود وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والنسائي أيضا نبدأ بالنون . قال أبو الفتح القشيري : مخرج الحديث عندهم واحد وقد اجتمع مالك وسفيان ويحيى بن سعيد القطان على رواية نبدأ بالنون التي للجمع قال الحافظ : وهم أحفظ من الباقين وقد ذهب الجمهور إلى أن البداءة بالصفا والختم بالمروة شرط .

                                                                                                                                            وقال عطاء : يجزئ الجاهل العكس وذهب الأكثر إلى أن من الصفا إلى المروة شوط ومنها إليه شوط آخر وقال الصيرفي وابن خيران وابن جرير : بل من الصفا إلى الصفا شوط ويدل على الأول ما في حديث جابر { أنه صلى الله عليه وسلم فرغ من آخر سعيه بالمروة } قوله : لما دنا من الصفا قرأ . . . إلخ ، فيه دليل على أنها تستحب قراءة هذه الآية عند الدنو من الصفا وأنه يستحب صعود الصفا واستقبال القبلة والتوحيد والتكبير والتهليل وتكرير الدعاء والذكر بين ذلك ثلاث مرات ، وقال جماعة من أصحاب الشافعي : يكرر الذكر ثلاثا والدعاء مرتين فقط قال النووي والصواب الأول قوله : ( وهزم الأحزاب وحده ) معناه هزمهم بغير قتال من الآدميين ولا سبب من جهتهم والمراد بالأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وكان الخندق في شوال سنة أربع من الهجرة .

                                                                                                                                            وقيل : سنة خمس قوله : حتى انصبت قدماه في بطن الوادي هكذا في جميع نسخ مسلم كما نقله القاضي قال : وفيه إسقاط لفظة لا بد منها وهي حتى انصبت قدماه في بطن الوادي فسقطت لفظة رمل ولا بد منها وقد ثبتت هذه اللفظة في غير رواية مسلم وكذا ذكرها الحميدي في الجمع بين الصحيحين وفي الموطأ حتى انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى خرج منه ، وهو بمعنى رمل قال النووي : وقد وقع في بعض نسخ صحيح مسلم حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى كما وقع في الموطأ وغيره وفي هذا الحديث استحباب السعي في بطن الوادي حتى يصعد ثم يمشي باقي المسافة إلى المروة على عادة مشيه ، وهذا السعي مستحب في كل مرة من المرات السبع في هذا الموضع والمشي مستحب فيما قبل الوادي وبعده ولو مشى في الجميع أو سعى في الجميع أجزأه وفاتته الفضيلة وبه قال الشافعي ومن وافقه وقال مالك فيمن ترك السعي الشديد في موضعه : تجب عليه الإعادة وله رواية أخرى موافقة لقول الشافعي قوله : إذا صعدنا بكسر العين قوله : ( ففعل على المروة ) كما فعل على الصفا فيه دليل على أنه يستحب عليها ما يستحب على الصفا من الذكر والدعاء والصعود




                                                                                                                                            الخدمات العلمية