صفحة جزء
باب حكم أموال المرتدين وجناياتهم 3232 - ( عن طارق بن شهاب قال : جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح فخيرهم بين الحرب المجلية ، والسلم المخزية ، فقالوا : هذه المجلية [ ص: 243 ] قد عرفناها ، فما المخزية ؟ قال : ننزع منكم الحلقة والكراع ونغنم ما أصبنا منكم وتردون علينا ما أصبتم منا ، وتدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار ، وتتركون أقواما يتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة رسوله والمهاجرين والأنصار أمرا يعذرونكم به ، فعرض أبو بكر ما قال على القوم ، فقام عمر بن الخطاب فقال : قد رأيت رأيا وسنشير عليك ، أما ما ذكرت من الحرب المجلية ، والسلم المخزية فنعم ما ذكرت ، وأما ما ذكرت أن نغنم ما أصبنا منكم وتردون ما أصبتم منا فنعم ما ذكرت ، وأما ما ذكرت تدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار فإن قتلانا قاتلت فقتلت على أمر الله ، أجورها على الله ليس لها ديات ، فتبايع القوم على ما قال عمر . رواه البرقاني على شرط البخاري ) .


هذا الأثر أخرج بعضه البخاري في صحيحه ، وأخرج بقيته البرقاني في مستخرجه بطوله كما ذكره المصنف . وأخرجه أيضا البيهقي من حديث ابن إسحاق عن عاصم بن حمزة . قوله : ( بزاخة ) بضم الباء الموحدة ثم زاي وبعد الألف خاء معجمة : هو موضع قيل بالبحرين ، وقيل ماء لبني أسد كذا في التلخيص .

وفي القاموس : وبزاخة بالضم : موضع به وقعة أبي بكر رضي الله عنه انتهى . قوله

( المجلية ) يحتمل أن يكون بالخاء المعجمة : أي المهلكة . قال في القاموس : خلا مكانه : مات ، وقال أيضا : خلا المكان خلوا وخلاء وأخلى واستخلى : فرغ ، ومكانه خلاء : ما فيه أحد ، وأخلاه : جعله أو وجده خاليا ، وخلا : وقع في موضع خال لا تزاحم فيه . انتهى . ويحتمل أن يكون بالجيم ، قال في القاموس : جلا القوم عن الموضع ، ومنه جلوا وأجلوا : تفرقوا ، أو جلا من الخوف ، وأجلى من الجدب . انتهى . والمراد الحرب المفرقة لأهلها لشدة وقعها وتأثيرها . وقال في الفتح : المجلية بضم الميم وسكون الجيم بعدها لام مكسورة ثم تحتانية من الجلاء بفتح الجيم وتخفيف اللام مع المد ، ومعناه الخروج عن جميع المال . قوله : ( والسلم المخزية ) بالخاء المعجمة والزاي : أي المذلة ، قال في القاموس : خزي كرضي خزيا بالكسر وخزى : وقع في شهرة فذل بذلك كاخزوزى وأخزاه الله : فضحه ، ومن كلامهم لمن أتى بمستهجن : ما له أخزاه الله ؟ . قال : وخزي بالكسر خزاية وخزى بالقصر : استحيا . انتهى .

قوله : ( الحلقة ) بفتح الحاء المهملة وسكون اللام بعدها قاف . قال في القاموس : الحلقة : الدرع والخيل . انتهى . وقال في النهاية : والحلقة بسكون اللام : السلاح عاما ، وقيل : الدروع خاصة ، والمراد بالكراع : الخيل . قال في القاموس : هو اسم لجميع الخيل ، فعلى هذا يكون المراد بالحلقة : الدروع أو هي سائر السلاح الذي يحارب به . قوله : ( يتبعون أذناب الإبل ) أي يمتهنون بخدمة الإبل ورعيها والعمل بها لما في ذلك من الذلة والصغار . وقد استدل بالأثر المذكور على أنه [ ص: 244 ] يجوز مصالحة الكفار المرتدين على أخذ أسلحتهم وخيلهم ، ورد ما أصابوه من المسلمين .

وقد اختلف هل يملك الكفار ما أخذوه على المسلمين ؟ فذهب الهادي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إلى أنهم يملكون علينا ما استولوا عليه قهرا ، وإذا استولينا عليه فصاحبه أحق بعينه ما لم يقسم ، فإن قسم لم يستحقه إلا بدفع القيمة لمن صار في يده . وذهب أبو بكر الصديق وعمر وعبادة بن الصامت وعكرمة والشافعي والمؤيد بالله إلى أنهم لا يملكون علينا ، ولو أدخلوه قهرا فصاحبه أحق به قبل القسمة وبعدها بلا شيء ، وأما ما أخذوه من أموال أهل الإسلام في دارهم قهرا كالعبد الآبق ، فذهب الهادي والنفس الزكية وأبو حنيفة إلى أنهم لا يملكونه علينا إذ دار الحرب دار إباحة فالملك فيها غير حقيقي .

وذهب مالك والأوزاعي والزهري وعمرو بن دينار وأبو يوسف ومحمد إلى أنهم يملكونه علينا ، وهو مروي عن أبي طالب ولعله يأتي تحقيق هذا البحث إن شاء الله تعالى . .

التالي السابق


الخدمات العلمية