قوله : ( معصفرين ) المعصفر هو المصبوغ بالعصفر كما في كتاب اللغة وشروح الحديث . وقد استدل بهذا الحديث من قال بتحريم لبس الثوب المصبوغ بعصفر وهم العترة ، واستدلوا أيضا على ذلك بحديث nindex.php?page=showalam&ids=13ابن عمرو وحديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي المذكورين بعد هذا وغيرهما وسيأتي بعض ذلك . وذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك إلى الإباحة ، كذا قال ابن رسلان في شرح السنن قال : وقال جماعة من العلماء بالكراهة للتنزيه ، وحملوا النهي على هذا لما في الصحيحين [ ص: 110 ] من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=19181رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة } زاد في رواية أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، " وقد كان يصبغ بها ثيابه كلها " وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : النهي منصرف إلى ما صبغ من الثياب ، وكأنه نظر إلى ما في الصحيحين من ذكر مطلق الصبغ بالصفرة ، فقصره على صبغ اللحية دون الثياب ، وجعل النهي متوجها إلى الثياب ، ولم يلتفت إلى تلك الزيادة المصرحة بأنه كان يصبغ ثيابه بالصفرة ، ويمكن الجمع بأن الصفرة التي كان يصبغ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم غير صفرة العصفرة المنهي عنه .
ويؤيد ذلك ما سيأتي في باب لبس الأبيض والأسود من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر { nindex.php?page=hadith&LINKID=4144أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالزعفران } وقد أجاب من لم يقل بالتحريم عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=13ابن عمرو المذكور في الباب وحديثه الذي بعده بأنه لا يلزم من نهيه له نهي سائر الأمة .
وكذلك أجاب عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي الآتي بأن ظاهر قوله : " نهاني " أن ذلك مختص به ، ولهذا ثبت في رواية عنه أنه قال : ولا أقول نهاكم ، وهذا الجواب ينبني على الخلاف المشهور بين أهل الأصول في حكمه صلى الله عليه وسلم على الواحد من الأمة هل يكون حكما على بقيتهم أو لا ؟ والحق الأول ، فيكون نهيه nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي وعبد الله نهيا لجميع الأمة ، ولا يعارضه صبغه بالصفرة على تسليم أنها من العصفر لما تقرر في الأصول من أن فعله الخالي عن دليل التأسي الخاص لا يعارض قوله الخاص بأمته ، فالراجح تحريم الثياب المعصفرة ، والعصفر وإن كان يصبغ صبغا أحمر كما قال ابن القيم فلا معارضة بينه وبين ما ثبت في الصحيحين من { nindex.php?page=hadith&LINKID=8193أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس حلة حمراء } كما يأتي ، لأن النهي في هذه الأحاديث يتوجه إلى نوع خاص من الحمرة ، وهي الحمرة الحاصلة عن صباغ العصفر ، وسيأتي ما حكاه الترمذي عن أهل الحديث بمعنى هذا .
وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي رادا لقول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إنه لم يحك أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الصفرة إلا ما قال nindex.php?page=showalam&ids=8علي : " نهاني ولا أقول نهاكم " إن الأحاديث تدل على أن النهي على العموم ، ثم ذكر أحاديث ما قال بعد ذلك : ولو بلغت هذه الأحاديث nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه اللهلقال بها ، ثم ذكر بإسناده ما صح عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قال : إذا صح الحديث خلاف قولي فاعملوا بالحديث .
قوله : ( من ثنية ) هي الطريقة في الجبل ، وفي لفظ nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه : من ثنية أذاخر ، وأذاخر بفتح الهمزة والذال المعجمة المخففة وبعدها ألف ثم خاء معجمة على وزن أفاعل ، ثنية بين مكة والمدينة .
قوله : ( ريطة ) بفتح الراء المهملة وسكون المثناة تحت ثم طاء مهملة ويقال رائطة . قال nindex.php?page=showalam&ids=16383المنذري : جاءت الرواية بهما وهي ملاءة منسوجة بنسج واحد ، وقيل : كل ثوب رقيق لين ، والجمع ريط ورياط .
قوله : ( مضرجة ) بفتح الراء المشددة أي ملطخة .
قوله : ( يسجرون ) أي يوقدون .
قوله : ( بعض أهلك ) يعني زوجته أو بعض نساء محارمه وأقاربه ، وفيه دليل على جواز لبس المعصفر للنساء ، وفيه الإنكار على إحراق الثوب المنتفع به لبعض الناس دون بعض لأنه من إضاعة المال المنهي عنها ، لكنه يعارض هذا ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو أيضا قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=3000236رأى علي النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين معصفرين ، فقال : أمك أمرتك بهذا ؟ قال : قلت : أغسلهما يا رسول الله ، قال : بل أحرقهما } وقد جمع بعضهم الروايتين بأنه صلى الله عليه وسلم أمر أولا بإحراقهما ندبا ، ثم لما أحرقهما قال له النبي صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=19027لو كسوتهما بعض أهلك ؟ } إعلاما له بأن هذا كان كافيا لو فعله ، وأن الأمر للندب ، ولا يخفى ما في هذا من التكلف الذي عنه مندوحة ، لأن القضية لم تكن واحدة حتى يجمع بين الروايتين بمثل هذا ، بل هما قضيتان مختلفتان وغايته أنه صلى الله عليه وسلم في إحدى القضيتين غلظ عليه وعاقبه فأمره بإحراقهما ، ولعل هذه المرة التي أمره فيها بالإحراق كانت بعد تلك المرة التي أخبره فيها بأن ذلك غير واجب ، وهذا وإن كان بعيدا من جهة أن صاحب القصة يبعد أن يقع منه اللبس للمعصفر مرة أخرى بعد أن سمع فيه ما سمع المرة الأولى ، ولكنه دون البعد الذي في الجمع الأول لأن احتمال النسيان كائن ، وكذا احتمال عروض شبهة توجب الظن بعدم التحريم ، ولا سيما وقد وقعت منه صلى الله عليه وسلم المعاتبة على الإحراق . قال القاضي عياض : أمره بإحراقهما من باب التغليظ والعقوبة انتهى . وفيه حجة على جواز المعاقبة بالمال ، والحديث يدل على المنع من لبس الثياب المصبوغة بالعصفر ، وقد تقدم الكلام في ذلك .