الحديث الثاني في إسناده أبو معشر وهو ضعيف قوله : ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ) فيه أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين . ومنه قوله تعالى: { ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى } وإنما كان العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما لقوة الداعي إلى تركهم لهما ; لأن العشاء وقت السكون والراحة ، والصبح وقت لذة النوم . قوله : ( ولو يعلمون ما فيهما ) أي من مزيد الفضل .
قوله : ( لأتوهما ) أي لأتوا المحل الذي يصليان فيه جماعة وهو المسجد . قوله : ( ولو حبوا ) أي زحفا إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير ، nindex.php?page=showalam&ids=12508ولابن أبي شيبة من حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء : { nindex.php?page=hadith&LINKID=42716ولو حبوا على المرافق والركب } . قوله : ( ولقد هممت ) اللام جواب القسم ، وفي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره : " والذي نفسي بيده لقد هممت " ، والهم : العزم ، وقيل : دونه .
قوله : ( فأحرق ) بالتشديد ، يقال : حرقه : إذا بالغ في تحريقه .
وفيه جواز العقوبة بإتلاف المال . والحديث استدل به القائلون بوجوب صلاة الجماعة ; لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق ، [ ص: 148 ] ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه . ويمكن أن يقال : إن التهديد بالتحريق المذكور يقع في حق تاركي فرض الكفاية لمشروعية قتال تاركي فرض الكفاية . قال الحافظ : وفيه نظر ; لأن التحريق الذي يفضي إلى القتل أخص من المقاتلة ، ولأن المقاتلة إنما يشرع فيها إذا تمالأ الجميع على الترك .
وقد اختلفت أقوال العلماء في صلاة الجماعة فذهب nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء والأوزاعي وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان وأهل الظاهر وجماعة ، ومن أهل البيت أبو العباس إلى أنها فرض عين . واختلفوا ، فبعضهم قال : هي شرط ، روي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=15858داود ومن تبعه ، وروي مثل ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وقال الباقون : إنها فرض عين غير شرط . وذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في أحد قوليه ، قال الحافظ : هو ظاهر نصه وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه ، وبه قال كثير من المالكية والحنفية إلى أنها فرض كفاية ، وذهب الباقون إلى أنها سنة ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي والهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله وأبي طالب ، وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة . وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة ، الأول : أنها لو كانت شرطا أو فرضا لبين ذلك عند التوعد كذا قال ابن بطال . ورد بأنه صلى الله عليه وسلم قد دل على وجوب الحضور وهو كاف في البيان .
والثاني : أن الحديث يدل على خلاف المدعى وهو عدم الوجوب لكونه صلى الله عليه وسلم هم بالتوجه إلى المتخلفين ، ولو كانت الجماعة فرضا لما تركها .
وفيه أن تركه لها حال التحريق لا يستلزم الترك مطلقا لإمكان أن يفعلها في جماعة آخرين قبل التحريق أو بعده . الثالث : قال الباجي وغيره : إن الخبر ورد مورد الزجر ، وحقيقته غير مرادة ، وإنما المراد : المبالغة ، ويرشد إلى ذلك وعيدهم بعقوبة لا يعاقبها إلا الكفار . وقد انعقد الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك . وأجيب بأن ذلك وقع قبل تحريم التعذيب بالنار ، وكان قبل ذلك جائزا ، على أنه لو فرض أن هذا التوعد وقع بعد التحريم لكان مخصصا له فيجوز التحريق في عقوبة تارك الصلاة . الرابع : تركه صلى الله عليه وسلم لتحريقهم بعد التهديد ولو كان واجبا لما عفا عنهم . قال عياض ومن تبعه : ليس في الحديث حجة ; لأنه صلى الله عليه وسلم هم ولم يفعل .
زاد النووي : ولو كانت فرض عين لما تركهم . وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه لا يهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله ، والترك لا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن يكونوا انزجروا بذلك ، على أن رواية nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد التي ذكرها المصنف فيها بيان سبب الترك . الخامس : أن التهديد لقوم تركوا الصلاة رأسا لا مجرد الجماعة ، وهو ضعيف ; لأن قوله : " لا يشهدون الصلاة " بمعنى لا يحضرون وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : " العشاء في الجمع " أي في الجماعة .
وعند nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34051لينتهين رجال عن تركهم الجماعات أو لأحرقن بيوتهم } . السادس : أن الحديث ورد في الحث على مخالفة أهل النفاق والتحذير من التشبه بهم لا [ ص: 149 ] لخصوص ترك الجماعة ، ذكر ذلك ابن المنير . السابع : أن الحديث ورد في حق المنافقين فلا يتم الدليل ، وتعقب باستبعاد الاعتناء بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع العلم بأنه لا صلاة لهم وبأنه صلى الله عليه وسلم كان معرضا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم ، وقال : لا يتحدث الناس إن محمدا يقتل أصحابه . وتعقب هذا التعقب ابن دقيق العيد بأنه لا يتم إلا إن ادعى أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبا عليه ولا دليل على ذلك ، وليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم .
قال في الفتح : والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين لقوله صلى الله عليه وسلم في صدر الحديث : " أثقل الصلاة على المنافقين " ولقوله صلى الله عليه وسلم : " لو يعلمون . . . إلخ " ; لأن هذا الوصف يليق بهم لا بالمؤمنين ، لكن المراد : نفاق المعصية لا نفاق الكفر .
ويدل على ذلك قوله في رواية : " لا يشهدون العشاء في الجمع " وقوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة : " لا يشهدون الجماعات " وأصرح من ذلك ما في رواية أبي داود عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : { nindex.php?page=hadith&LINKID=119527ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة } فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية لا نفاق كفر ; لأن الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة ، فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله تعالى من الكفر والاستهزاء . قال الطيبي : خروج المؤمن من هذا الوعيد ليس من جهة أنهم إذا سمعوا النداء جاز لهم التخلف عن الجماعة ، بل من جهة أن التخلف ليس من شأنهم بل هو من صفات المنافقين . ويدل على ذلك قول nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود الآتي : لقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق . وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عمير بن أنس قال : حدثني عمومتي من الأنصار قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما شهدهما منافق " يعني العشاء والفجر .
الثامن : أن فريضة الجماعة كانت في أول الأمر ثم نسخت ، حكى ذلك القاضي عياض . قال الحافظ : ويمكن أن يتقوى لثبوت النسخ بالوعيد المذكور في حقهم وهو التحريق بالنار . قال : ويدل على النسخ الأحاديث الواردة في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ كما سيأتي ; لأن الأفضلية تقتضي الاشتراك في أصل الفضل ومن لازم ذلك الجواز .
التاسع : أن المراد بالصلاة الجمعة لا باقي الصلوات . وتعقب بأن الأحاديث مصرحة بالعشاء والفجر كما في حديث الباب وغيره ولا ينافي ذلك ما وقع عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أنها الجمعة لاحتمال تعدد الواقعة كما أشار إليه النووي والمحب الطبري .
وللحديث فوائد ليس هذا محل بسطها ، وسيأتي التصريح بما هو الحق في صلاة الجماعة .