قوله تعالى : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا فيه أربع مسائل :
الأولى : بين الله تعالى أن من لم يستحق شيئا إرثا وحضر القسمة ، وكان من الأقارب أو اليتامى والفقراء الذين لا يرثون أن يكرموا ولا يحرموا ، إن كان المال كثيرا ؛ والاعتذار إليهم إن كان عقارا أو قليلا لا يقبل الرضخ . ( وإن كان عطاء من القليل ففيه أجر عظيم ؛ درهم يسبق مائة ألف ) . فالآية على هذا القول محكمة ؛ قاله
ابن عباس . وامتثل ذلك جماعة من التابعين :
عروة بن الزبير وغيره ، وأمر به أبو
موسى الأشعري وروي عن
ابن عباس أنها منسوخة نسخها قوله تعالى :
يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : نسخها آية الميراث والوصية . وممن قال إنها منسوخة
أبو مالك وعكرمة والضحاك . والأول أصح ؛ فإنها مبينة استحقاق الورثة لنصيبهم ، واستحباب المشاركة لمن لا نصيب له ممن حضرهم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابن جبير : ضيع الناس هذه الآية . قال
الحسن : ولكن الناس شحوا . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
ابن عباس في قوله تعالى :
وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين قال : ( هي محكمة وليست بمنسوخة ) . وفي رواية قال : ( إن ناسا يزعمون أن هذه الآية نسخت ، لا والله ما نسخت ولكنها مما تهاون بها ؛ هما واليان : وال يرث وذلك الذي يرزق ، ووال لا يرث وذلك الذي يقول بالمعروف ، ويقول : لا أملك لك أن أعطيك ) . قال
ابن عباس : ( أمر الله المؤمنين عند قسمة مواريثهم أن يصلوا أرحامهم ، ويتاماهم ومساكينهم من الوصية ، فإن لم تكن وصية وصل لهم من الميراث ) . قال
النحاس : فهذا أحسن ما قيل في الآية ، أن يكون على الندب والترغيب في فعل الخير ، والشكر لله عز وجل . وقالت طائفة : هذا الرضخ واجب على جهة الفرض ، تعطي الورثة لهذه الأصناف ما طابت به نفوسهم ، كالماعون والثوب الخلق وما خف . حكى هذا القول
ابن عطية والقشيري . والصحيح أن هذا على الندب ؛ لأنه لو كان فرضا لكان استحقاقا في التركة ومشاركة في الميراث ، لأحد الجهتين
[ ص: 45 ] معلوم وللآخر مجهول . وذلك مناقض للحكمة ، وسبب للتنازع والتقاطع . وذهبت فرقة إلى أن المخاطب والمراد في الآية المحتضرون الذين يقسمون أموالهم بالوصية ، لا الورثة . وروي عن
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب وابن زيد . ( فإذا أراد المريض أن يفرق ماله بالوصايا وحضره من لا يرث ينبغي له ألا يحرمه ) . وهذا والله أعلم - يتنزل حيث كانت الوصية واجبة ، ولم تنزل آية الميراث . والصحيح الأول وعليه المعول .
الثانية : فإذا كان الوارث صغيرا لا يتصرف في ماله ؛ فقالت طائفة : يعطى ولي الوارث الصغير من مال محجوره بقدر ما يرى . وقيل : لا يعطى بل يقول لمن حضر القسمة : ليس لي شيء من هذا المال إنما هو لليتيم ، فإذا بلغ عرفته حقكم . فهذا هو القول المعروف . وهذا إذا لم يوص الميت له بشيء ؛ فإن أوصى يصرف له ما أوصى . ورأى
عبيدة nindex.php?page=showalam&ids=16972ومحمد بن سيرين أن الرزق في هذه الآية أن يصنع لهم طعاما يأكلونه ؛ وفعلا ذلك ، ذبحا شاة من التركة ، وقال
عبيدة : لولا هذه الآية لكان هذا من مالي . وروى
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر قال : ثلاث محكمات تركهن الناس : هذه الآية ، وآية الاستئذان
يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ، وقوله :
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى .
الثالثة : قوله تعالى " منه " الضمير عائد على معنى القسمة ؛ إذ هي بمعنى المال والميراث ؛ لقوله تعالى :
ثم استخرجها من وعاء أخيه أي السقاية ؛ لأن الصواع مذكر . ومنه قوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832460واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب فأعاد مذكرا على معنى الدعاء . وكذلك قوله
لسويد بن طارق الجعفي حين سأله عن الخمر
nindex.php?page=hadith&LINKID=832461إنه ليس بدواء ولكنه داء فأعاد الضمير على معنى الشراب . ومثله كثير . يقال : قاسمه المال وتقاسماه واقتسماه ، والاسم القسمة مؤنثة ؛ والقسم مصدر قسمت الشيء فانقسم ، والموضع مقسم مثل مجلس ، وتقسمهم الدهر فتقسموا ، أي فرقهم فتفرقوا . والتقسيم التفريق . والله أعلم .
الرابعة :
قوله تعالى : وقولوا لهم قولا معروفا قال
سعيد بن جبير : يقال لهم خذوا بورك لكم . وقيل : قولوا مع الرزق وددت أن لو كان أكثر من هذا . وقيل : لا حاجة مع الرزق إلى عذر ، نعم إن لم يصرف إليهم شيء فلا أقل من قول جميل ونوع اعتذار .