قوله تعالى :
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما
فيه سبع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
ومن يقتل " من " شرط ، وجوابه فجزاؤه وسيأتي . واختلف العلماء في صفة
المتعمد في القتل ؛ فقال
عطاء والنخعي وغيرهما : هو من قتل بحديدة كالسيف والخنجر وسنان الرمح ونحو ذلك من المشحوذ المعد للقطع أو بما يعلم أن فيه الموت من ثقال الحجارة ونحوها . وقالت فرقة : المتعمد كل من قتل بحديدة كان القتل أو بحجر أو بعصا أو بغير ذلك ، وهذا قول الجمهور .
الثانية : ذكر الله عز وجل في كتابه العمد والخطأ ولم يذكر
شبه العمد وقد اختلف العلماء في القول به ، فقال
ابن المنذر : أنكر ذلك
مالك ، وقال : ليس في كتاب الله إلا العمد والخطأ . وذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي أيضا عن
مالك وزاد : وأما شبه العمد فلا نعرفه . قال
أبو عمر : أنكر
مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد شبه العمد ؛ فمن قتل عندهما بما لا يقتل مثله غالبا كالعضة واللطمة وضربة السوط والقضيب وشبه ذلك فإنه عمد وفيه القود . قال
أبو عمر : وقال بقولهما جماعة من الصحابة والتابعين . وذهب جمهور فقهاء الأمصار إلى أن هذا كله شبه العمد . وقد ذكر عن
مالك وقاله
ابن وهب وجماعة من الصحابة والتابعين . قال
ابن المنذر : وشبه العمد يعمل به عندنا . وممن أثبت شبه العمد
الشعبي والحكم وحماد والنخعي وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري وأهل [ ص: 283 ] العراق nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وروينا ذلك عن
عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما .
قلت : وهو الصحيح ؛ فإن
الدماء أحق ما احتيط لها إذ الأصل صيانتها في أهبها ، فلا تستباح إلا بأمرين لا إشكال فيه ، وهذا فيه إشكال ؛ لأنه لما كان مترددا بين العمد والخطأ حكم له بشبه العمد ؛ فالضرب مقصود والقتل غير مقصود ، وإنما وقع بغير القصد فيسقط القود وتغلظ الدية . وبمثل هذا جاءت السنة ؛ روى
أبو داود من حديث
عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832685ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=838774العمد قود اليد والخطأ عقل لا قود فيه ومن قتل في عمية بحجر أو عصا أو سوط فهو دية مغلظة في أسنان الإبل . وروي أيضا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16047سليمان بن موسى عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832686عقل شبه العمد مغلظ مثل قتل العمد ولا يقتل صاحبه . وهذا نص . وقال
طاوس في الرجل يصاب في ماء الرميا في القتال بالعصا أو السوط أو الترامي بالحجارة يودى ولا يقتل به من أجل أنه لا يدرى ، من قاتله . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : العميا هو الأمر الأعمى للعصبية لا تستبين ما وجهه . وقال
إسحاق : هذا في تحارج القوم وقتل بعضهم بعضا . فكأن أصله من التعمية وهو التلبيس ؛ ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني
مسألة : واختلف القائلون بشبه العمد في
الدية المغلظة ، فقال
عطاء nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : هي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة . وقد روي هذا القول عن
عمر nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت nindex.php?page=showalam&ids=19والمغيرة بن شعبة nindex.php?page=showalam&ids=110وأبي موسى الأشعري ؛ وهو مذهب
مالك حيث يقول بشبه العمد ، ومشهور مذهبه أنه لم يقل به إلا في مثل قصة
المدلجي بابنه حيث ضربه بالسيف . وقيل : هي مربعة
[ ص: 284 ] ربع بنات لبون ، وربع حقاق ، وربع جذاع ، وربع بنات مخاض . هذا قول
النعمان ويعقوب ؛ وذكره
أبو داود عن
سفيان عن
أبي إسحاق عن
عاصم بن ضمرة عن
علي . وقيل : هي مخمسة : عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة ؛ هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور . وقيل : أربعون جذعة إلى بازل عامها وثلاثون حقة ، وثلاثون بنات لبون . وروي عن
عثمان بن عفان وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري . وقيل : أربع وثلاثون خلفة إلى بازل عامها ، وثلاث وثلاثون حقة ، وثلاث وثلاثون جذعة ؛ وبه قال
الشعبي والنخعي ، وذكره
أبو داود عن
أبي الأحوص عن
أبي إسحاق عن
عاصم بن ضمرة عن
علي .
الثالثة : واختلفوا
فيمن تلزمه دية شبه العمد ؛ فقال
الحارث العكلي nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور : هو عليه في ماله . وقال
الشعبي والنخعي والحكم nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي : هو على العاقلة . قال
ابن المنذر : قول
الشعبي أصح ؛ لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية الجنين على عاقلة الضاربة .
الرابعة : أجمع العلماء على أن
العاقلة لا تحمل دية العمد وأنها في مال الجاني ؛ وقد تقدم ذكرها في " البقرة " . وقد أجمعوا على أن
على القاتل خطأ الكفارة ؛ واختلفوا فيها في قتل العمد ؛ فكان
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي يريان
على قاتل العمد الكفارة كما في الخطأ . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إذا وجبت الكفارة في الخطأ فلأن تجب في العمد أولى . وقال : إذا شرع السجود في السهو فلأن يشرع في العمد أولى ، وليس ما ذكره الله تعالى في كفارة العمد بمسقط ما قد وجب في الخطأ . وقد قيل : إن القاتل عمدا إنما تجب عليه الكفارة إذا عفي عنه فلم يقتل ، فأما إذا قتل قودا فلا كفارة عليه تؤخذ من ماله . وقيل تجب . ومن قتل نفسه فعليه الكفارة في ماله . وقال
الثوري nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وأصحاب الرأي : لا تجب الكفارة إلا حيث أوجبها الله تعالى . قال
ابن المنذر : وكذلك نقول ؛ لأن الكفارات عبادات ولا يجوز التمثيل . وليس يجوز لأحد أن يفرض فرضا يلزمه عباد الله إلا بكتاب أو سنة أو إجماع ، وليس مع من فرض على القاتل عمدا كفارة حجة من حيث ذكرت .
الخامسة : واختلفوا في
الجماعة يقتلون الرجل خطأ ؛ فقالت طائفة : على كل واحد منهم الكفارة ؛ كذلك قال
الحسن وعكرمة والنخعي والحارث العكلي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وأصحاب الرأي . وقالت طائفة : عليهم كلهم كفارة واحدة ؛ هكذا قال
أبو ثور ، وحكي ذلك عن
الأوزاعي . وفرق
الزهري بين العتق والصوم ؛ فقال في الجماعة يرمون بالمنجنيق فيقتلون رجلا : عليهم كلهم عتق رقبة ، وإن كانوا لا يجدون فعلى كل واحد منهم صوم شهرين متتابعين .
[ ص: 285 ] السادسة : روى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : أخبرنا
الحسن بن إسحاق المروزي - ثقة قال : حدثنا
خالد بن خداش قال : حدثنا
حاتم بن إسماعيل عن
بشير بن المهاجر عن
عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832687قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا . وروي عن
عبد الله قال : قال رسول الله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832688أول ما يحاسب به العبد الصلاة وأول ما يقضى بين الناس في الدماء . وروى
إسماعيل بن إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17193نافع بن جبير بن مطعم nindex.php?page=hadith&LINKID=838778عن nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس أنه سأل سائل فقال : يا أبا العباس ، هل للقاتل توبة ؟ فقال له ابن عباس كالمتعجب من مسألته : ماذا تقول ! مرتين أو ثلاثا . ثم قال ابن عباس : ويحك ! أنى له توبة ! سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : يأتي المقتول معلقا رأسه بإحدى يديه متلببا قاتله بيده الأخرى تشخب أوداجه دما حتى يوقفا فيقول المقتول لله سبحانه وتعالى رب هذا قتلني فيقول الله تعالى للقاتل تعست ويذهب به إلى النار . وعن
الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=838779ما نازلت ربي في شيء ما نازلته في قتل المؤمن فلم يجبني .
السابعة : واختلف العلماء في
قاتل العمد هل له من توبة ؟ فروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
سعد بن جبير قال : اختلف فيها
أهل الكوفة ، فرحلت فيها إلى
ابن عباس ، فسألته عنها فقال : نزلت هذه الآية
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم هي آخر ما نزل وما نسخها شيء . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عنه قال : سألت
ابن عباس هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة ؟ قال : لا . وقرأت عليه الآية التي في الفرقان :
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر قال : هذه آية مكية نسختها آية مدنية
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت نحوه ، وإن آية النساء نزلت بعد آية الفرقان بستة أشهر ، وفي رواية بثمانية أشهر ؛ ذكرهما
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت . وإلى عموم هذه الآية مع هذه الأخبار عن
زيد nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ذهبت
المعتزلة وقالوا : هذا مخصص عموم قوله تعالى :
ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ورأوا أن الوعيد نافذ حتما على كل قاتل ؛ فجمعوا بين الآيتين بأن قالوا : التقدير ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء إلا من قتل عمدا . وذهب جماعة من العلماء منهم .
عبد الله بن عمر - وهو أيضا مروي عن
زيد nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس - إلى أن له توبة . روى
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون قال : أخبرنا
أبو مالك [ ص: 286 ] الأشجعي عن
سعد بن عبيدة قال : جاء رجل إلى
ابن عباس فقال ألمن قتل مؤمنا متعمدا توبة ؟ قال : لا ، إلا النار ؛ قال : فلما ذهب قال له جلساؤه : أهكذا كنت تفتينا ؟ كنت تفتينا أن لمن قتل توبة مقبولة ؛ قال : إني لأحسبه رجلا مغضبا يريد أن يقتل مؤمنا . قال : فبعثوا في إثره فوجدوه كذلك . وهذا مذهب أهل السنة وهو الصحيح ، وإن هذه الآية مخصوصة ، ودليل التخصيص آيات وأخبار . وقد أجمعوا على أن الآية نزلت في
مقيس بن صبابة ؛ وذلك أنه كان قد أسلم هو وأخوه
هشام بن صبابة ؛ فوجد
هشاما قتيلا في
بني النجار فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فكتب له إليهم أن يدفعوا إليه قاتل أخيه وأرسل معه رجلا من
بني فهر ؛ فقال
بنو النجار : والله ما نعلم له قاتلا ولكنا نؤدي الدية ؛ فأعطوه مائة من الإبل ؛ ثم انصرفا راجعين إلى
المدينة فعدا
مقيس على
الفهري فقتله بأخيه وأخذ الإبل وانصرف إلى
مكة كافرا مرتدا ، وجعل ينشد :
قتلت به فهرا وحملت عقله سراة بني النجار أرباب فارع حللت به وتري وأدركت ثورتي
وكنت إلى الأوثان أول راجع
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا أؤمنه في حل ولا حرم . وأمر بقتله يوم فتح
مكة وهو متعلق
بالكعبة . وإذا ثبت هذا بنقل أهل التفسير وعلماء الدين فلا ينبغي أن يحمل على المسلمين ، ثم ليس الأخذ بظاهر الآية بأولى من الأخذ بظاهر قوله :
إن الحسنات يذهبن السيئات ، وقوله تعالى :
وهو الذي يقبل التوبة عن عباده وقوله :
ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء . والأخذ بالظاهرين تناقض فلا بد من التخصيص . ثم إن الجمع بين آية " الفرقان " وهذه الآية ممكن فلا نسخ ولا تعارض ، وذلك أن يحمل مطلق آية " النساء " على مقيد آية " الفرقان " فيكون معناه فجزاؤه كذا إلا من تاب ؛ لا سيما وقد اتحد الموجب وهو القتل والموجب وهو التواعد بالعقاب . وأما الأخبار فكثيرة كحديث
عبادة بن الصامت الذي قال فيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832689تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه . رواه الأئمة أخرجه الصحيحان . وكحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي قتل مائة نفس . أخرجه
مسلم في صحيحه
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه في سننه وغيرهما إلى غير ذلك من الأخبار الثابتة . ثم إنهم قد
[ ص: 287 ] أجمعوا معنا في الرجل يشهد عليه بالقتل ، ويقر بأنه قتل عمدا ، ويأتي السلطان الأولياء فيقام عليه الحد ويقتل قودا ، فهذا غير متبع في الآخرة ، والوعيد غير نافذ عليه إجماعا على مقتضى حديث
عبادة ؛ فقد انكسر عليهم ما تعلقوا به من عموم قوله تعالى :
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ودخله التخصيص بما ذكرنا ، وإذا كان كذلك فالوجه أن هذه الآية مخصوصة كما بينا ، أو تكون محمولة على ما حكي عن
ابن عباس أنه قال : متعمدا معناه مستحلا لقتله ؛ فهذا أيضا يئول إلى الكفر إجماعا . وقالت جماعة : إن
القاتل في المشيئة تاب أو لم يتب ؛ قاله
أبو حنيفة وأصحابه . فإن قيل : إن قوله تعالى :
فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه دليل على كفره ؛ لأن الله تعالى لا يغضب إلا على كافر خارج من الإيمان . قلنا : هذا وعيد ، والخلف في الوعيد كرم ؛ كما قال :
وإني متى أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وقد تقدم .
جواب ثان : إن جازاه بذلك ؛ أي هو أهل لذلك ومستحقه لعظيم ذنبه . نص على هذا
أبو مجلز لاحق بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح وغيرهما . وروى
أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=838781إذا وعد الله لعبد ثوابا فهو منجزه وإن أوعد له العقوبة فله المشيئة إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه . وفي هذين التأويلين دخل ، أما الأول - فقال
القشيري : وفي هذا نظر ؛ لأن كلام الرب لا يقبل الخلف إلا أن يراد بهذا تخصيص العام ؛ فهو إذا جائز في الكلام . وأما الثاني : وإن روي أنه مرفوع فقال
النحاس : وهذا الوجه الغلط فيه بين ، وقد قال الله عز وجل :
ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا ولم يقل أحد : إن جازاهم ؛ وهو خطأ في العربية لأن بعده
وغضب الله عليه وهو محمول على معنى جازاه .
وجواب ثالث : فجزاؤه جهنم إن لم يتب وأصر على الذنب حتى وافى ربه على الكفر بشؤم المعاصي . وذكر هبة الله في كتاب " الناسخ والمنسوخ " أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :
ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، وقال : هذا إجماع الناس إلا
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر فإنهما قالا هي محكمة . وفي هذا الذي قاله نظر ؛ لأنه موضع عموم وتخصيص لا موضع نسخ ؛ قاله
ابن عطية .
قلت : هذا حسن ؛ لأن النسخ لا يدخل الأخبار إنما المعنى فهو يجزيه . وقال
النحاس في " معاني القرآن " له : القول فيه عند العلماء أهل النظر أنه محكم وأنه يجازيه إذا لم يتب ، فإن تاب فقد بين أمره بقوله :
وإني لغفار لمن تاب فهذا لا يخرج عنه ، والخلود لا يقتضي
[ ص: 288 ] الدوام
قال الله تعالى : وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد الآية . وقال تعالى :
يحسب أن ماله أخلده وقال
زهير :
ألا لا أرى على الحوادث باقيا ولا خالدا إلا الجبال الرواسيا
وهذا كله يدل على أن الخلد يطلق على غير معنى التأبيد ؛ فإن هذا يزول بزوال الدنيا . وكذلك العرب تقول : لأخلدن فلانا في السجن ؛ والسجن ينقطع ويفنى ، وكذلك المسجون . ومثله قولهم في الدعاء : خلد الله ملكه وأبد أيامه . وقد تقدم هذا كله لفظا ومعنى . والحمد لله .