قوله تعالى : لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما [ ص: 376 ] قوله تعالى :
لكن الراسخون في العلم منهم استثنى مؤمني أهل الكتاب ؛ وذلك أن
اليهود أنكروا وقالوا : إن هذه الأشياء كانت حراما في الأصل وأنت تحلها ولم تكن حرمت بظلمنا ؛ فنزل
لكن الراسخون في العلم والراسخ هو المبالغ في علم الكتاب الثابت فيه ، والرسوخ الثبوت ؛ وقد تقدم في " آل عمران " والمراد
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام nindex.php?page=showalam&ids=16850وكعب الأحبار ونظراؤهما . والمؤمنون أي من
المهاجرين والأنصار ، أصحاب
محمد عليه السلام .
والمقيمين الصلاة وقرأ
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16871ومالك بن دينار وجماعة : " والمقيمون " على العطف ، وكذا هو في حرف
عبد الله ، وأما حرف
أبي فهو فيه " والمقيمين " كما في المصاحف . واختلف في نصبه على أقوال ستة ؛ أصحها قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه بأنه نصب على المدح ؛ أي وأعني المقيمين ؛ قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : هذا باب ما ينتصب على التعظيم ؛ ومن ذلك
والمقيمين الصلاة وأنشد :
وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم إلا نميرا أطاعت أمر غاويها
ويروى ( أمر مرشدهم ) .
الظاعنين ولما يظعنوا أحدا والقائلون لمن دار نخليها
وأنشد :
لا يبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك والطيبون معاقد الأزر
قال
النحاس : وهذا أصح ما قيل في المقيمين . وقال
الكسائي : والمقيمين معطوف على ما قال
النحاس قال
الأخفش : وهذا بعيد ؛ لأن المعنى يكون ويؤمنون بالمقيمين . وحكى
محمد بن جرير أنه قيل له : إن المقيمين هاهنا الملائكة عليهم السلام ؛ لدوامهم على الصلاة والتسبيح والاستغفار ، واختار هذا القول ، وحكى أن النصب على المدح بعيد ؛ لأن المدح إنما يأتي بعد تمام الخبر ، وخبر الراسخين في
أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما فلا ينتصب المقيمين على المدح . قال
النحاس : ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في قوله : والمؤتون رفع بالابتداء . وقال غيره : هو مرفوع على إضمار مبتدأ ؛ أي هم المؤتون الزكاة . وقيل : والمقيمين عطف على الكاف التي في قبلك . أي من قبلك ومن قبل المقيمين . وقيل : المقيمين عطف على الكاف التي في إليك . وقيل : هو عطف على الهاء والميم ، أي منهم ومن المقيمين ؛ وهذه الأجوبة الثلاثة لا تجوز ؛ لأن فيها عطف مظهر على مضمر مخفوض .
والجواب السادس : ما روي أن
عائشة رضي الله عنها سئلت عن هذه الآية
[ ص: 377 ] وعن قوله :
إن هذان لساحران ، وقوله : والصابئون في المائدة ، فقالت للسائل : يا ابن أخي الكتاب أخطئوا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان : كان الكاتب يملى عليه فيكتب فكتب
لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون ثم قال له : ما أكتب ؟ فقيل له : اكتب
والمقيمين الصلاة فمن ثم وقع هذا . قال
القشيري : وهذا المسلك باطل ؛ لأن الذين جمعوا الكتاب كانوا قدوة في اللغة ، فلا يظن بهم أنهم يدرجون في القرآن ما لم ينزل . وأصح هذه الأقوال قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وهو قول
الخليل ، وقول
الكسائي هو اختيار
القفال nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري ، والله أعلم .