إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا
قوله تعالى :
إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح هذا متصل بقوله :
يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ، فأعلم تعالى أن أمر
محمد صلى الله عليه وسلم كأمر من تقدمه من الأنبياء . وقال
ابن عباس فيما ذكره
ابن إسحاق : نزلت في قوم من
اليهود - منهم
سكين nindex.php?page=showalam&ids=16559وعدي بن زيد - قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أوحى الله إلى أحد من بعد
موسى فكذبهم الله .
والوحي إعلام في خفاء ؛ يقال : وحى إليه بالكلام يحي وحيا ، وأوحى يوحي إيحاء .
إلى نوح قدمه لأنه
أول نبي شرعت على لسانه الشرائع . وقيل غير هذا ؛ ذكر
الزبير بن بكار حدثني
أبو الحسن علي بن المغيرة عن
هشام بن محمد بن السائب عن أبيه قال : أول نبي بعثه الله تبارك وتعالى في الأرض
إدريس واسمه
أخنوخ ؛ ثم انقطعت الرسل حتى بعث الله
نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ ، وقد كان
سام بن نوح نبيا ، ثم انقطعت الرسل حتى بعث الله
إبراهيم نبيا واتخذه خليلا ؛ وهو
إبراهيم بن تارخ واسم
تارخ آزر ، ثم بعث
إسماعيل بن إبراهيم فمات
بمكة ، ثم
إسحاق بن إبراهيم فمات
بالشام ، ثم
لوط وإبراهيم عمه ، ثم
يعقوب وهو إسرائيل بن إسحاق ثم
يوسف بن يعقوب ثم
شعيب بن يوبب ، ثم
هود بن عبد الله ، ثم
صالح بن أسف ، ثم
موسى وهارون ابنا عمران ، ثم
أيوب ثم
الخضر وهو خضرون ، ثم
داود بن إيشا ، ثم
سليمان بن داود ، ثم
يونس بن متى ، ثم
إلياس ، ثم
ذا الكفل واسمه عويدنا [ ص: 378 ] من
سبط يهوذا بن يعقوب ؛ قال : وبين
موسى بن عمران ومريم بنت عمران أم عيسى ألف سنة وسبعمائة سنة وليسا من سبط ؛ ثم
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب النبي صلى الله عليه وسلم . قال
الزبير : كل نبي ذكر في القرآن من ولد
إبراهيم غير
إدريس ونوح ولوط وهود وصالح . ولم يكن من العرب أنبياء إلا خمسة :
هود وصالح وإسماعيل وشعيب ومحمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين ؛ وإنما سموا عربا لأنه لم يتكلم بالعربية غيرهم .
قوله تعالى :
والنبيين من بعده هذا يتناول جميع الأنبياء ثم قال :
وأوحينا إلى إبراهيم فخص أقواما بالذكر تشريفا لهم ؛ كقوله تعالى :
وملائكته ورسله وجبريل وميكال ثم قال
وعيسى وأيوب قدم
عيسى على قوم كانوا قبله ؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب ، وأيضا فيه تخصيص
عيسى ردا على
اليهود . وفي هذه الآية تنبيه على قدر نبينا صلى الله عليه وسلم وشرفه ، حيث قدمه في الذكر على أنبيائه ؛ ومثله قوله تعالى :
وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح الآية ؛
ونوح مشتق من النوح ؛ وقد تقدم ذكره موعبا في " آل عمران " وانصرف وهو اسم أعجمي ؛ لأنه على ثلاثة أحرف فخف ؛ فأما
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق فأعجمية وهي معرفة ولذلك لم تنصرف ، وكذا
يعقوب وعيسى وموسى إلا أن
عيسى وموسى يجوز أن تكون الألف فيهما للتأنيث فلا ينصرفان في معرفة ولا نكرة ؛ فأما
يونس ويوسف فروي عن
الحسن أنه قرأ "
ويونس " بكسر النون وكذا "
يوسف " يجعلهما من آنس وآسف ، ويجب على هذا أن يصرفا ويهمزا ويكون جمعهما يآنس ويآسف . ومن لم يهمز قال :
يوانس ويواسف . وحكى
أبو زيد :
يونس ويوسف بفتح النون والسين ؛ قال
المهدوي : وكأن "
يونس " في الأصل فعل مبني للفاعل ، و "
يونس " فعل مبني للمفعول ، فسمي بهما .
قوله تعالى : وآتينا داود زبورا الزبور كتاب
داود وكان مائة وخمسين سورة ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام ، وإنما هي حكم ومواعظ . والزبر الكتابة ، والزبور بمعنى المزبور أي المكتوب ، كالرسول والركوب والحلوب . وقرأ
حمزة " زبورا " بضم الزاي جمع زبر كفلس وفلوس ، وزبر بمعنى المزبور ؛ كما يقال : هذا الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه ؛ والأصل في الكلمة التوثيق ؛ يقال : بئر مزبورة أي مطوية بالحجارة ، والكتاب يسمى زبورا لقوة الوثيقة به .
وكان داود عليه السلام حسن الصوت ؛ فإذا أخذ في قراءة الزبور اجتمع إليه الإنس والجن والطير والوحش لحسن صوته ، وكان متواضعا يأكل من عمل يده ؛ روى
أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا
أبو أسامة عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه قال : أن كان
داود صلى الله عليه وسلم ليخطب الناس وفي يده القفة
[ ص: 379 ] من الخوص ، فإذا فرغ ناولها بعض من إلى جنبه يبيعها ، وكان يصنع الدروع ؛ وسيأتي . وفي الحديث :
الزرقة في العين يمن وكان داود أزرق .