قوله تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فيه سبع وعشرون مسألة :
قوله تعالى :
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما الآية . لما ذكر تعالى أخذ الأموال بطريق السعي في الأرض والفساد ذكر حكم السارق من غير حراب على ما يأتي بيانه أثناء الباب ; وبدأ سبحانه بالسارق قبل السارقة عكس الزنى على ما نبينه آخر الباب ، وقد
قطع السارق في الجاهلية ، وأول من حكم بقطعه في الجاهلية
الوليد بن المغيرة ، فأمر الله بقطعه في الإسلام ، فكان
أول سارق قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام من الرجال
الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، ومن النساء
مرة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم ، وقطع
أبو بكر يد اليمني الذي سرق العقد ; وقطع
عمر يد
ابن سمرة أخي
عبد الرحمن بن سمرة ولا خلاف فيه ، وظاهر الآية العموم في كل سارق وليس كذلك ; لقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830575لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا فبين أنه إنما أراد بقوله :
والسارق والسارقة بعض السراق دون بعض ;
فلا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار ، أو فيما قيمته ربع دينار ; وهذا قول
عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي رضي الله عنهم ، وبه قال
عمر بن عبد العزيز والليث
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ; وقال
مالك : تقطع اليد في ربع دينار أو في ثلاثة دراهم ، فإن سرق درهمين وهو ربع دينار لانحطاط الصرف لم تقطع يده فيهما ، والعروض لا تقطع فيها إلا أن تبلغ ثلاثة دراهم قل الصرف أو كثر ; فجعل
مالك الذهب والورق كل واحد منهما أصلا بنفسه ، وجعل تقويم العروض بالدراهم في المشهور ، وقال
أحمد وإسحاق : إن سرق ذهبا فربع دينار ، وإن سرق غير الذهب والفضة كانت قيمته ربع دينار أو ثلاثة دراهم من الورق ، وهذا نحو ما صار إليه
مالك في القول الآخر ; والحجة للأول حديث
ابن عمر أن رجلا سرق حجفة ، فأتى به [ ص: 112 ] النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بها فقومت بثلاثة دراهم ، وجعل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي حديث
عائشة رضي الله عنها في الربع دينار أصلا رد إليه تقويم العروض لا بالثلاثة دراهم على غلاء الذهب ورخصه ، وترك حديث
ابن عمر لما رآه - والله أعلم - من اختلاف الصحابة في المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ;
nindex.php?page=showalam&ids=12فابن عمر يقول :
ثلاثة دراهم ;
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس يقول : عشرة دراهم ;
وأنس يقول : خمسة دراهم ، وحديث
عائشة في
الربع دينار حديث صحيح ثابت لم يختلف فيه عن عائشة إلا أن بعضهم وقفه ، ورفعه من يجب العمل بقوله لحفظه وعدالته ; قاله
أبو عمر وغيره ، وعلى هذا فإن بلغ العرض المسروق ربع دينار بالتقويم قطع سارقه ; وهو قول
إسحاق ; فقف على هذين الأصلين فهما عمدة الباب ، وهما أصح ما قيل فيه . وقال
أبو حنيفة وصاحباه
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري :
لا تقطع يد السارق إلا في عشرة دراهم كيلا ، أو دينارا ذهبا عينا أو وزنا ;
ولا يقطع حتى يخرج بالمتاع من ملك الرجل ; وحجتهم حديث
ابن عباس ; قال : قوم المجن الذي قطع فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة دراهم ، ورواه
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان ثمن المجن يومئذ عشرة دراهم ; أخرجهما
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وغيره ، وفي المسألة قول رابع ، وهو ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
عمر قال :
لا تقطع الخمس إلا في خمس ; وبه قال
سليمان بن يسار nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة ; وقال
أنس بن مالك : قطع
أبو بكر - رحمه الله - في مجن قيمته خمسة دراهم ، وقول خامس : وهو أن
اليد تقطع في أربعة دراهم فصاعدا ; روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد الخدري ، وقول سادس : وهو أن
اليد تقطع في درهم فما فوقه ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16542عثمان البتي . وذكر
الطبري أن
عبد الله بن الزبير قطع في درهم ، وقول سابع : وهو أن
اليد تقطع في كل ما له قيمة على ظاهر الآية ; هذا قول
الخوارج ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، وهي إحدى الروايات الثلاث عنه ، والثانية كما روي عن
عمر ، والثالثة حكاها
قتادة عنه أنه قال : تذاكرنا
القطع في كم يكون على عهد
زياد ؟ فاتفق رأينا على درهمين ، وهذه أقوال متكافئة والصحيح منها ما قدمناه لك ; فإن قيل : قد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830387لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده وهذا موافق لظاهر الآية في القطع في القليل والكثير ; فالجواب أن هذا خرج مخرج التحذير بالقليل عن الكثير ، كما جاء في معرض الترغيب بالقليل مجرى الكثير في قوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830576من بنى لله مسجدا ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة ، وقيل : إن ذلك مجاز من وجه آخر ; وذلك أنه إذا ضري بسرقة
[ ص: 113 ] القليل سرق الكثير فقطعت يده ، وأحسن من هذا ما قاله الأعمش وذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في آخر الحديث كالتفسير قال : كانوا يرون أنه بيض الحديد ، والحبل كانوا يرون أنه منها ما يساوي دراهم .
قلت : كحبال السفينة وشبه ذلك ، والله أعلم .
الثانية : اتفق جمهور الناس على أن
القطع لا يكون إلا على من أخرج من حرز ما يجب فيه القطع ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن : إذا جمع الثياب في البيت ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن أيضا في قول آخر مثل قول سائر أهل العلم فصار اتفاقا صحيحا ، والحمد لله .
الثالثة :
الحرز هو ما نصب عادة لحفظ أموال الناس ، وهو يختلف في كل شيء بحسب حاله على ما يأتي بيانه . قال
ابن المنذر : ليس في هذا الباب خبر ثابت لا مقال فيه لأهل العلم ، وإنما ذلك كالإجماع من أهل العلم ، وحكي عن
الحسن وأهل الظاهر أنهم لم يشترطوا الحرز ، وفي الموطأ
لمالك عن
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830577لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن قال
أبو عمر : هذا حديث يتصل معناه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره ،
وعبد الله هذا ثقة عند الجميع ، وكان
أحمد يثني عليه ، وعن
عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=830578سئل عن الثمر المعلق فقال : من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه القطع ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة وفي رواية . ( وجلدات نكال ) بدل ( والعقوبة ) . قال العلماء : ثم نسخ الجلد وجعل مكانه القطع . قال
أبو عمر : قوله ( غرامة مثليه ) منسوخ لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به إلا ما جاء عن
عمر في دقيق
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة ; خرجه
مالك ; ورواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، والذي عليه الناس في الغرم بالمثل ; لقوله تعالى :
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ، وروى
أبو داود عن
صفوان بن أمية قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830579كنت نائما في المسجد علي خميصة لي ثمن ثلاثين درهما ، فجاء رجل فاختلسها مني ، فأخذ الرجل فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 114 ] فأمر به ليقطع ، قال : فأتيته فقلت أتقطعه من أجل ثلاثين درهما ؟ أنا أبيعه وأنسئه ثمنها ; قال : فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به ؟ ، ومن جهة النظر أن الأموال خلقت مهيأة للانتفاع بها للخلق أجمعين ، ثم الحكمة الأولية حكمت فيها بالاختصاص الذي هو الملك شرعا ، وبقيت الأطماع متعلقة بها ، والآمال محومة عليها ; فتكفها المروءة والديانة في أقل الخلق ، ويكفها الصون والحرز عن أكثرهم ، فإذا أحرزها مالكها فقد اجتمع فيها الصون والحرز الذي هو غاية الإمكان للإنسان ; فإذا هتكا فحشت الجريمة فعظمت العقوبة ، وإذا هتك أحد الصونين وهو الملك وجب الضمان والأدب .
الرابعة : فإذا
اجتمع جماعة فاشتركوا في إخراج نصاب من حرزه ، فلا يخلو ، إما أن يكون بعضهم ممن يقدر على إخراجه أو لا ، إلا بتعاونهم ، فإذا كان الأول فاختلف فيه علماؤنا على قولين : أحدهما يقطع فيه ، والثاني لا يقطع فيه ; وبه قال
أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ; قالا : لا يقطع في السرقة المشتركون إلا بشرط أن يجب لكل واحد من حصته نصاب ; لقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830575لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا وكل واحد من هؤلاء لم يسرق نصابا فلا قطع عليهم ، ووجه القطع في إحدى الروايتين أن الاشتراك في الجناية لا يسقط عقوبتها كالاشتراك في القتل ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وما أقرب ما بينهما فإنا إنما قتلنا الجماعة بالواحد صيانة للدماء ; لئلا يتعاون على سفكها الأعداء ، فكذلك في الأموال مثله ; لا سيما وقد ساعدنا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على أن
الجماعة إذا اشتركوا في قطع يد رجل قطعوا ولا فرق بينهما ، وإن كان الثاني وهو مما لا يمكن إخراجه إلا بالتعاون فإنه يقطع جميعهم بالاتفاق من العلماء ; ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي .
الخامسة : فإن
اشتركوا في السرقة بأن نقب واحد الحرز وأخرج آخر ، فإن كانا متعاونين قطعا ، وإن انفرد كل منهما بفعله دون اتفاق بينهما ، بأن يجيء آخر فيخرج فلا قطع على واحد منهما . وإن تعاونا في النقب وانفرد أحدهما بالإخراج فالقطع عليه خاصة ; وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا قطع ; لأن هذا نقب ولم يسرق ، والآخر سرق من حرز مهتوك الحرمة . وقال
أبو حنيفة : إن شارك في النقب ودخل وأخذ قطع ، ولا يشترط في الاشتراك في النقب التحامل على آلة واحدة ، بل التعاقب في الضرب تحصل به الشركة .
السادسة : ولو
دخل أحدهما فأخرج المتاع إلى باب الحرز فأدخل الآخر يده فأخذه فعليه
[ ص: 115 ] القطع ، ويعاقب الأول ; وقال
أشهب : يقطعان . وإن وضعه خارج الحرز فعليه القطع لا على الآخذ ، وإن وضعه في وسط النقب فأخذه الآخر والتقت أيديهما في النقب قطعا جميعا .
السابعة :
والقبر والمسجد حرز ، فيقطع النباش عند الأكثر ; وقال
أبو حنيفة : لا قطع عليه ; لأنه سرق من غير حرز مالا معرضا للتلف لا مالك له ; لأن الميت لا يملك ، ومنهم من ينكر السرقة ; لأنه ليس فيه ساكن ، وإنما تكون السرقة بحيث تتقى الأعين ، ويتحفظ من الناس ; وعلى نفي السرقة عول أهل ما وراء النهر ، وقال الجمهور : هو سارق لأنه تدرع الليل لباسا واتقى الأعين ، وقصد وقتا لا ناظر فيه ولا مار عليه ، فكان بمنزلة ما لو سرق في وقت بروز الناس للعيد ، وخلو البلد من جميعهم ، وأما قولهم : إن القبر غير حرز فباطل ; لأن
حرز كل شيء بحسب حاله الممكنة فيه . وأما قولهم : إن الميت لا يملك فباطل أيضا ; لأنه لا يجوز ترك الميت عاريا فصارت هذه الحاجة قاضية بأن القبر حرز ، وقد نبه الله تعالى عليه بقوله :
ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ليسكن فيها حيا ، ويدفن فيها ميتا ، وأما قولهم : إنه عرضة للتلف ; فكل ما يلبسه الحي أيضا معرض للتلف والإخلاق بلباسه ، إلا أن أحد الأمرين أعجل من الثاني ; وقد روى
أبو داود عن
أبي ذر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830580دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف ، يعني القبر ; قلت : الله ورسوله أعلم قال : عليك بالصبر قال
حماد : فبهذا قال من قال تقطع يد السارق ; لأنه دخل على الميت بيته ، وأما المسجد ، فمن سرق حصره قطع ; رواه
عيسى عن
ابن القاسم ، وإن لم يكن للمسجد باب ; ورآها محرزة ، وإن سرق الأبواب قطع أيضا ; وروي عن
ابن القاسم أيضا إن كانت سرقته للحصر نهارا لم يقطع ، وإن كان تسور عليها ليلا قطع ; وذكر عن
سحنون إن كانت حصره خيط بعضها إلى بعض قطع ، وإلا لم يقطع . قال
أصبغ : يقطع
سارق حصر المسجد وقناديله وبلاطه ، كما لو سرق بابه مستسرا أو خشبة من سقفه أو من جوائزه ، وقال
أشهب في كتاب
محمد : لا قطع في شيء من حصر المسجد وقناديله وبلاطه .
الثامنة : واختلف العلماء هل يكون غرم مع القطع أم لا ؟ فقال
أبو حنيفة : لا يجتمع
الغرم مع القطع بحال ; لأن الله سبحانه قال :
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله ولم يذكر غرما . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يغرم قيمة السرقة موسرا كان أو معسرا ،
[ ص: 116 ] وتكون دينا عليه إذا أيسر أداه ; وهو قول
أحمد وإسحاق ، وأما علماؤنا
مالك وأصحابه فقالوا : إن كانت العين قائمة ردها ، وإن تلفت فإن كان موسرا غرم ، وإن كان معسرا لم يتبع دينا ولم يكن عليه شيء ; وروى
مالك مثل ذلك عن
الزهري ; قال الشيخ
أبو إسحاق : وقد قيل إنه يتبع بها دينا مع القطع موسرا كان أو معسرا ; قال : وهو قول غير واحد من علمائنا من
أهل المدينة ، واستدل على صحته بأنهما حقان لمستحقين فلا يسقط أحدهما الآخر كالدية والكفارة ، ثم قال : وبهذا أقول ، واستدل القاضي
أبو الحسن للمشهور بقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839051إذا أقيم على السارق الحد فلا ضمان عليه وأسنده في كتابه . وقال بعضهم : إن الإتباع بالغرم عقوبة ، والقطع عقوبة ، ولا تجتمع عقوبتان ; وعليه عول القاضي
عبد الوهاب ، والصحيح قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن وافقه ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يغرم السارق ما سرق موسرا كان أو معسرا ; قطع أو لم يقطع ، وكذلك إذا قطع الطريق ; قال : ولا يسقط الحد لله ما أتلف للعباد ، وأما ما احتج به علماؤنا من الحديث ( إذا كان معسرا ) فبه احتج الكوفيون وهو قول
الطبري ، ولا حجة فيه ; رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني عن
عبد الرحمن بن عوف . قال
أبو عمر : هذا حديث ليس بالقوي ولا تقوم به حجة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وهذا حديث باطل ، وقال
الطبري : القياس أن عليه غرم ما استهلك ، ولكن تركنا ذلك اتباعا للأثر في ذلك . قال
أبو عمر : ترك القياس لضعيف الأثر غير جائز ; لأن الضعيف لا يوجب حكما .
التاسعة : واختلف في
قطع يد من سرق المال من الذي سرقه ; فقال علماؤنا : يقطع ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يقطع ; لأنه سرق من غير مالك ومن غير حرز ، وقال علماؤنا : حرمة المالك عليه باقية لم تنقطع عنه ، ويد السارق كلا يد ، كالغاصب لو سرق منه المال المغصوب قطع ، فإن قيل : اجعلوا حرزه كلا حرز ; قلنا : الحرز قائم والملك قائم ولم يبطل الملك فيه فيقولوا لنا أبطلوا الحرز .
العاشرة : واختلفوا
إذا كرر السرقة بعد القطع في العين المسروقة ; فقال الأكثر : يقطع ، وقال
أبو حنيفة : لا قطع عليه ، وعموم القرآن يوجب عليه القطع ، وهو يرد قوله ، وقال
أبو حنيفة أيضا في
السارق يملك الشيء المسروق بشراء أو هبة قبل القطع : فإنه لا يقطع ، والله تعالى يقول :
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما فإذا وجب القطع حقا لله تعالى لم يسقطه شيء .
الحادية عشرة : قرأ الجمهور " والسارق " بالرفع . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : المعنى وفيما فرض عليكم السارق والسارقة ، وقيل : الرفع فيهما على الابتداء ، والخبر
فاقطعوا أيديهما . وليس
[ ص: 117 ] القصد إلى معين إذ لو قصد معينا لوجب النصب ; تقول : زيدا اضربه ; بل هو كقولك : من سرق فاقطع يده . قال الزجاج : وهذا القول هو المختار ، وقرئ " والسارق " بالنصب فيهما على تقدير اقطعوا السارق والسارقة ; وهو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ; لأن الفعل بالأمر أولى ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه رحمه الله تعالى : الوجه في كلام العرب النصب ; كما تقول : زيدا أخرجه ; ولكن العامة أبت إلا الرفع ; يعني عامة القراء وجلهم ، فأنزل
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه النوع السارق منزلة الشخص المعين ، وقرأ
ابن مسعود " والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم " وهو يقوي قراءة الجماعة ، والسرق والسرقة بكسر الراء فيهما هو اسم الشيء المسروق ، والمصدر من سرق يسرق سرقا بفتح الراء . قاله
الجوهري ، وأصل هذا اللفظ إنما هو أخذ الشيء في خفية من الأعين ، ومنه استرق السمع ، وسارقه النظر . قال
ابن عرفة : السارق عند العرب هو من جاء مستترا إلى حرز فأخذ منه ما ليس له ، فإن أخذ من ظاهر فهو مختلس ومستلب ومنتهب ومحترس ، فإن تمنع بما في يده فهو غاصب .
قلت : وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=830581وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته ، قالوا : وكيف يسرق صلاته ؟ قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها خرجه الموطأ وغيره ، فسماه سارقا وإن كان ليس سارقا من حيث هو موضع الاشتقاق ، فإنه ليس فيه مسارقة الأعين غالبا .
الثانية عشرة : قوله تعالى : ( فاقطعوا ) القطع معناه الإبانة والإزالة ، ولا يجب إلا بجمع
أوصاف تعتبر في السارق وفي الشيء المسروق ، وفي الموضع المسروق منه ، وفي صفته . فأما ما يعتبر في السارق فخمسة أوصاف ; وهي
البلوغ والعقل ، وأن يكون
غير مالك للمسروق منه ، وألا يكون له عليه ولاية ، فلا يقطع
العبد إن سرق من مال سيده ، وكذلك
السيد إن أخذ مال عبده لا قطع بحال ; لأن العبد وماله لسيده . ولم يقطع أحد بأخذ مال عبده لأنه آخذ لماله ، وسقط قطع العبد بإجماع الصحابة وبقول الخليفة : غلامكم سرق متاعكم . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830582ليس على العبد الآبق إذا سرق قطع ولا على الذمي قال : لم يرفعه غير
فهد بن سليمان ، والصواب أنه موقوف ، وذكر
ابن ماجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830583إذا سرق العبد فبيعوه ولو بنش أخرجه عن
أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا
[ ص: 118 ] أبو أسامة عن
أبي عوانة عن
عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ; قال
ابن ماجه : وحدثنا
جبارة بن المغلس حدثنا
حجاج بن تميم عن
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران عن
ابن عباس ;
nindex.php?page=hadith&LINKID=830584أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس ، فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه ، وقال : مال الله سرق بعضه بعضا nindex.php?page=showalam&ids=15618وجبارة بن المغلس متروك ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12013أبو زرعة الرازي ، ولا قطع على صبي ولا مجنون .
الثالثة عشرة :
ويجب على الذمي والمعاهد ، والحربي إذا دخل بأمان ، وأما
ما يعتبر في الشيء المسروق فأربعة أوصاف ; وهي النصاب وقد مضى القول فيه ، وأن يكون مما يتمول ويتملك ويحل بيعه ، وإن
كان مما لا يتمول ولا يحل بيعه كالخمر والخنزير فلا يقطع فيه باتفاق حاشا الحر الصغير عند
مالك ،
وابن القاسم ; وقيل : لا قطع عليه ; وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ; لأنه ليس بمال ، وقال علماؤنا : هو من أعظم المال ; ولم يقطع السارق في المال لعينه ، وإنما قطع لتعلق النفوس به ، وتعلقها بالحر أكثر من تعلقها بالعبد ، وإن كان مما يجوز تملكه ولا يجوز بيعه كالكلب المأذون في اتخاذه ولحوم الضحايا ، ففي ذلك اختلاف بين
ابن القاسم وأشهب . قال
ابن القاسم : ولا يقطع
سارق الكلب ; وقال
أشهب : ذلك في المنهي عن اتخاذه ، فأما المأذون في اتخاذه فيقطع سارقه . قال :
ومن سرق لحم أضحية أو جلدها قطع إذا كان قيمة ذلك ثلاثة دراهم ، وقال
ابن حبيب قال
أصبغ : إن سرق الأضحية قبل الذبح قطع ; وأما إن سرقها بعد الذبح فلا يقطع ، وإن كان مما يجوز اتخاذ أصله وبيعه ، فصنع منه ما لا يجوز استعماله
كالطنبور والملاهي من المزمار والعود وشبهه من آلات اللهو فينظر ; فإن كان يبقى منها بعد فساد صورها وإذهاب المنفعة المقصودة بها ربع دينار فأكثر قطع ، وكذلك الحكم في أواني الذهب والفضة التي لا يجوز استعمالها ويؤمر بكسرها فإنما يقوم ما فيها من ذهب أو فضة دون صنعة ، وكذلك
الصليب من ذهب أو فضة ،
والزيت النجس إن كانت قيمته على نجاسته نصابا قطع فيه . الوصف الثالث ; ألا يكون للسارق فيه ملك ، كمن سرق ما رهنه أو ما استأجره ، ولا شبهة ملك ، على اختلاف بين علمائنا وغيرهم في مراعاة شبهة ملك كالذي
يسرق من المغنم أو من بيت المال ; لأن له فيه نصيبا . وروي عن
علي رضي الله عنه أنه أتي برجل سرق مغفرا من الخمس فلم ير عليه قطعا وقال : له فيه نصيب ، وعلى هذا مذهب الجماعة في بيت المال ، وقيل : يجب عليه القطع تعلقا بعموم لفظ آية السرقة ، وأن يكون مما تصح سرقته كالعبد الصغير والأعجمي الكبير ; لأن ما لا تصح سرقته كالعبد الفصيح فإنه . لا يقطع فيه ، وأما
ما يعتبر في الموضع المسروق منه فوصف واحد وهو الحرز لمثل ذلك الشيء المسروق ، وجملة القول فيه أن
كل شيء له مكان معروف فمكانه حرزه ، وكل شيء معه حافظ فحافظه حرزه ;
فالدور والمنازل والحوانيت حرز لما فيها ، غاب عنها أهلها أو حضروا ، وكذلك
بيت المال حرز [ ص: 119 ] لجماعة المسلمين ، والسارق لا يستحق فيه شيئا ، وإن كان قبل السرقة ممن يجوز أن يعطيه الإمام وإنما يتعين حق كل مسلم بالعطية ; ألا ترى أن الإمام قد يجوز أن يصرف جميع المال إلى وجه من وجوه المصالح ولا يفرقه في الناس ، أو يفرقه في بلد دون بلد آخر ويمنع منه قوما دون قوم ; ففي التقدير أن هذا السارق ممن لا حق له فيه . وكذلك المغانم لا تخلو : أن تتعين بالقسمة ; فهو ما ذكرناه في بيت المال ; وتتعين بنفس التناول لمن شهد الواقعة ; فيجب أن يراعى قدر ما سرق ، فإن كان فوق حقه قطع وإلا لم يقطع .
الرابعة عشرة :
وظهور الدواب حرز لما حملت ،
وأفنية الحوانيت حرز لما وضع فيها في موقف البيع وإن لم يكن هناك حانوت ، كان معه أهله أم لا ; سرقت بليل أو نهار ، وكذلك موقف الشاة في السوق مربوطة أو غير مربوطة ،
والدواب على مرابطها محرزة ، كان معها أهلها أم لا ;
فإن كانت الدابة بباب المسجد أو في السوق لم تكن محرزة إلا أن يكون معها حافظ ; ومن ربطها بفنائه أو اتخذ موضعا مربطا لدوابه فإنه حرز لها . والسفينة حرز لما فيها وسواء كانت سائبة أو مربوطة ;
فإن سرقت السفينة نفسها فهي كالدابة إن كانت سائبة فليست بمحرزة ، وإن كان صاحبها ربطها في موضع وأرساها فيه فربطها حرز ; وهكذا إن كان معها أحد حيثما كانت فهي محرزة ، كالدابة بباب المسجد معها حافظ ; إلا أن ينزلوا بالسفينة في سفرهم منزلا فيربطوها فهو حرز لها كان صاحبها معها أم لا .
الخامسة عشرة : ولا خلاف أن
الساكنين في دار واحدة كالفنادق التي يسكن فيها كل رجل بيته على حدة ، يقطع من سرق منهم من بيت صاحبه إذا أخذ - وقد خرج بسرقته إلى قاعة الدار - شيئا وإن لم يدخل بها بيته ولا خرج بها من الدار ، ولا خلاف في أنه لا يقطع من سرق منهم من قاعة الدار شيئا وإن أدخله بيته أو أخرجه من الدار ; لأن قاعتها مباحة للجميع للبيع والشراء ، إلا أن تكون دابة في مربطها أو ما يشبهها من المتاع .
السادسة عشرة :
ولا يقطع الأبوان بسرقة مال ابنهما ; لقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830585أنت ومالك لأبيك .
ويقطع في سرقة مالهما ; لأنه لا شبهة له فيه ، وقيل : لا يقطع ; وهو قول
ابن وهب وأشهب ; لأن الابن ينبسط في مال أبيه في العادة ، ألا ترى أن
العبد لا يقطع في مال سيده فلأن لا يقطع ابنه في ماله أولى . واختلفوا في الجد ; فقال
مالك وابن القاسم : لا يقطع ، وقال
أشهب : يقطع ، وقول
مالك أصح أنه أب ; قال
مالك : أحب إلي ألا يقطع الأجداد من قبل الأب والأم وإن لم تجب لهم نفقة . قال
ابن القاسم وأشهب : ويقطع من سواهما من القرابات . قال
ابن القاسم : ولا يقطع من سرق من جوع أصابه ، وقال
أبو حنيفة :
لا قطع على [ ص: 120 ] أحد من ذوي المحارم مثل العمة والخالة والأخت وغيرهم ; وهو قول
الثوري ، وقال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد وإسحاق : يقطع من سرق من هؤلاء ، وقال
أبو ثور : يقطع كل سارق سرق ما تقطع فيه اليد ; إلا أن يجمعوا على شيء فيسلم للإجماع ، والله أعلم .
السابعة عشرة : واختلفوا في
سارق المصحف ; فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأبو يوسف
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور : يقطع إذا كانت قيمته ما تقطع فيه اليد ; وبه قال
ابن القاسم ، وقال
النعمان : لا يقطع من سرق مصحفا . قال
ابن المنذر : يقطع سارق المصحف ، واختلفوا في الطرار يطر النفقة من الكم ، فقالت طائفة : يقطع من طر من داخل الكم أو من خارج ; وهو قول
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ويعقوب . قال
أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وإسحاق : إن كانت الدراهم مصرورة في ظاهر كمه فطرها فسرقها لم يقطع ، وإن كانت مصرورة إلى داخل الكم فأدخل يده فسرقها قطع ، وقال
الحسن : يقطع . قال
ابن المنذر : يقطع على أي جهة طر .
الثامنة عشرة : واختلفوا في
قطع اليد في السفر ،
وإقامة الحدود في أرض الحرب ; فقال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد : تقام الحدود في أرض الحرب ولا فرق بين دار الحرب والإسلام ، وقال
الأوزاعي : يقيم من غزا على جيش - وإن لم يكن أمير مصر من الأمصار - الحدود في عسكره غير القطع . وقال
أبو حنيفة : إذا غزا الجند أرض الحرب وعليهم أمير فإنه لا يقيم الحدود في عسكره ، إلا أن يكون إمام
مصر أو
الشام أو
العراق أو ما أشبهه فيقيم الحدود في عسكره . استدل
الأوزاعي ومن قال بقوله بحديث
جنادة بن أبي أمية قال : كنا مع
بسر بن أرطاة في البحر ، فأتي بسارق يقال له
مصدر قد سرق بختية ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830586لا تقطع الأيدي في الغزو ولولا ذلك لقطعته .
بسر هذا يقال ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت له أخبار سوء في جانب
علي وأصحابه ، وهو الذي ذبح طفلين
nindex.php?page=showalam&ids=11لعبد الله بن العباس ففقدت أمهما عقلها فهامت على وجهها ، فدعا عليه
علي رضي الله عنه أن يطيل الله عمره ويذهب عقله ، فكان كذلك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين : كان
بسر بن أرطاة رجل سوء . استدل من قال بالقطع بعموم القرآن ; وهو الصحيح إن شاء الله تعالى ، وأولى ما يحتج به لمن منع القطع في أرض الحرب والحدود : مخافة أن يلحق ذلك بالشرك ، والله أعلم .
التاسعة عشرة :
فإذا قطعت اليد أو الرجل فإلى أين تقطع ؟ فقال الكافة :
تقطع من الرسغ والرجل من المفصل ، ويحسم الساق إذا قطع ، وقال بعضهم :
يقطع إلى المرفق ، وقيل : إلى المنكب ، لأن اسم اليد يتناول ذلك . وقال
علي رضي الله عنه : تقطع الرجل من شطر القدم ويترك له العقب ; وبه قال
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور . قال
ابن المنذر : وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر
[ ص: 121 ] بقطع يد رجل فقال : احسموها وفي إسناده مقال ; واستحب ذلك جماعة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وغيرهما ، وهذا أحسن وهو أقرب إلى البرء وأبعد من التلف .
الموفية عشرين : لا خلاف أن اليمنى هي التي تقطع أولا ، ثم اختلفوا
إن سرق ثانية ; فقال
مالك وأهل المدينة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وغيرهم : تقطع رجله اليسرى ، ثم في الثالثة يده اليسرى ، ثم في الرابعة رجله اليمنى ، ثم إن سرق خامسة يعزر ويحبس ، وقال
أبو مصعب من علمائنا : يقتل بعد الرابعة ; واحتج بحديث خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
الحارث بن حاطب nindex.php?page=hadith&LINKID=830587أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلص فقال : اقتلوه فقالوا : يا رسول الله ، إنما سرق ، قال : اقتلوه ، قالوا : يا رسول الله إنما سرق ، قال : اقطعوا يده ، قال : ثم سرق فقطعت رجله ، ثم سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه حتى قطعت قوائمه كلها ، ثم سرق أيضا الخامسة ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال : اقتلوه ثم دفعه إلى فتية من قريش ليقتلوه ; منهم عبد الله بن الزبير وكان يحب الإمارة فقال : أمروني عليكم فأمروه عليهم ، فكان إذا ضرب ضربوه حتى قتلوه ، وبحديث
جابر nindex.php?page=hadith&LINKID=830588أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسارق في الخامسة فقال : اقتلوه . قال جابر : فانطلقنا به فقتلناه ، ثم اجتررناه فرميناه في بئر ورمينا عليه الحجارة . رواه
أبو داود وخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي وقال : هذا حديث منكر وأحد رواته ليس بالقوي ، ولا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا . قال
ابن المنذر : ثبت عن
أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما قطعا اليد بعد اليد والرجل بعد الرجل . وقيل : تقطع في الثانية رجله اليسرى ثم لا قطع في غيرها ، ثم إذا عاد عزر وحبس ; وروي عن
علي بن أبي طالب ، وبه قال
الزهري nindex.php?page=showalam&ids=15741وحماد بن أبي سليمان nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل . قال
الزهري : لم يبلغنا في السنة إلا قطع اليد والرجل ، وقال
عطاء : تقطع يده اليمنى خاصة ولا يعود عليه القطع : ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي وقال : أما قول
عطاء فإن الصحابة قالوا قبله خلافه .
الحادية والعشرون : واختلفوا في
الحاكم يأمر بقطع يد السارق اليمنى فتقطع يساره ، فقال
قتادة : قد أقيم عليه الحد ولا يزاد عليه ; وبه قال
مالك : إذا أخطأ القاطع فقطع شماله ، وبه قال أصحاب الرأي استحسانا ، وقال
أبو ثور : على الحزاز الدية لأنه أخطأ وتقطع يمينه إلا أن يمنع بإجماع . قال
ابن المنذر : ليس يخلو قطع يسار السارق من أحد معنيين ; إما أن يكون القاطع عمد ذلك فعليه القود ، أو يكون أخطأ فديته على عاقلة القاطع ; وقطع يمين السارق يجب ، ولا يجوز إزالة ما أوجب الله سبحانه بتعدي معتد أو خطأ مخطئ ، وقال
الثوري في الذي يقتص منه في يمينه فيقدم شماله فتقطع ; قال : تقطع يمينه أيضا . قال
ابن المنذر : وهذا
[ ص: 122 ] صحيح . وقالت طائفة : تقطع يمينه إذا برئ ; وذلك أنه هو أتلف يساره ، ولا شيء على القاطع في قول أصحاب الرأي ، وقياس قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وتقطع يمينه إذا برئت ، وقال
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي : لا شيء على القاطع وحسبه ما قطع منه .
الثانية والعشرون : وتعلق يد السارق في عنقه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16461عبد الله بن محيريز سألت
فضالة عن
تعليق يد السارق في عنقه أمن السنة هو ؟ فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830589جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعت يده ، ثم أمر بها فعلقت في عنقه ; أخرجه
الترمذي - وقال : حديث حسن غريب -
وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .
الثالثة والعشرون :
إذا وجب حد السرقة فقتل السارق رجلا ; فقال
مالك : يقتل ويدخل القطع فيه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يقطع ويقتل ; لأنهما حقان لمستحقين فوجب أن يوفى لكل واحد منهما حقه ، وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى ، وهو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي .
الرابعة والعشرون : قوله تعالى : أيديهما لما قال أيديهما ولم يقل يديهما تكلم علماء اللسان في ذلك - قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وتابعهم الفقهاء على ما ذكروه حسن ظن بهم - فقال
الخليل بن أحمد والفراء : كل شيء يوجد من خلق الإنسان إذا أضيف إلى اثنين جمع تقول : هشمت رءوسهما وأشبعت بطونهما ، و
إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ، ولهذا قال : اقطعوا أيديهما ولم يقل يديهما ، والمراد فاقطعوا يمينا من هذا ويمينا من هذا . ويجوز في اللغة ; فاقطعوا يديهما وهو الأصل ; وقد قال الشاعر فجمع بين اللغتين :
ومهمهين قذفين مرتين ظهراهما مثل ظهور الترسين
وقيل : فعل هذا لأنه لا يشكل ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : إذا كان مفردا قد يجمع إذا أردت به التثنية ، وحكي عن العرب ; وضعا رحالهما ، ويريد به رحلي راحلتيهما ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وهذا بناء على أن اليمين وحدها هي التي تقطع وليس كذلك ، بل تقطع الأيدي والأرجل ، فيعود قوله أيديهما إلى أربعة وهي جمع في الاثنين ، وهما تثنية فيأتي الكلام على فصاحته ، ولو قال : فاقطعوا أيديهم لكان وجها ; لأن السارق والسارقة لم يرد بهما شخصين خاصة ، وإنما هما اسما جنس يعمان ما لا يحصى .
الخامسة والعشرون : قوله تعالى :
جزاء بما كسبا مفعول من أجله ، وإن شئت كان مصدرا وكذا
نكالا من الله يقال : نكلت به إذا فعلت به ما يوجب أن ينكل به عن ذلك الفعل
والله عزيز لا يغالب حكيم فيما يفعله ; وقد تقدم .
[ ص: 123 ] قوله تعالى : فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم السادسة والعشرون : قوله تعالى :
فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح شرط وجوابه
فإن الله يتوب عليه ومعنى
من بعد ظلمه من بعد السرقة ; فإن الله يتجاوز عنه ، والقطع لا يسقط بالتوبة ، وقال
عطاء وجماعة : يسقط بالتوبة قبل القدرة على السارق ، وقاله بعض الشافعية وعزاه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قولا . وتعلقوا بقول الله تعالى :
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم وذلك استثناء من الوجوب ، فوجب حمل جميع الحدود عليه ، وقال علماؤنا : هذا بعينه دليلنا ; لأن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حد المحارب قال :
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم وعطف عليه حد السارق وقال فيه :
فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه فلو كان مثله في الحكم ما غاير الحكم بينهما . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : ويا معشر الشافعية سبحان الله ! أين الدقائق الفقهية ، والحكم الشرعية ، التي تستنبطونها من غوامض المسائل ؟ ! ألم تروا إلى المحارب المستبد بنفسه ، المعتدي بسلاح ، الذي يفتقر الإمام معه إلى الإيجاف بالخيل والركاب كيف
أسقط جزاءه بالتوبة استنزالا عن تلك الحالة ، كما فعل بالكافر في مغفرة جميع ما سلف استئلافا على الإسلام ; فأما السارق والزاني وهما في قبضة المسلمين وتحت حكم الإمام ، فما الذي يسقط عنهم حكم ما وجب عليهم ؟ ! أو كيف يجوز أن يقال : يقاس على المحارب وقد فرقت بينهما الحكمة والحالة ! هذا ما لا يليق بمثلكم يا معشر المحققين ، وإذا ثبت أن
الحد لا يسقط بالتوبة ، فالتوبة مقبولة والقطع كفارة له . وأصلح أي : كما تاب عن السرقة تاب عن كل ذنب ، وقيل : وأصلح أي : ترك المعصية بالكلية ، فأما من ترك السرقة بالزنى أو التهود بالتنصر فهذا ليس بتوبة ، وتوبة الله على العبد أن يوفقه للتوبة ، وقيل : أن تقبل منه التوبة .
السابعة والعشرون : يقال : بدأ الله بالسارق في هذه الآية قبل السارقة ، وفي الزنى بالزانية قبل الزاني ما الحكمة في ذلك ؟ فالجواب أن يقال : لما كان حب المال على الرجال أغلب ، وشهوة الاستمتاع على النساء أغلب بدأ بهما في الموضع ; هذا أحد الوجوه في المرأة على ما يأتي بيانه في سورة " النور " من البداية بها على الزاني إن شاء الله . ثم جعل الله حد السرقة قطع اليد لتناول المال ، ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر مع مواقعة الفاحشة به لثلاثة معان :
أحدها : أن للسارق مثل يده التي قطعت فإن انزجر بها اعتاض بالثانية ، وليس للزاني
[ ص: 124 ] مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه . الثاني : أن الحد زجر للمحدود وغيره ، وقطع اليد في السرقة ظاهر : وقطع الذكر في الزنى باطن .
الثالث : أن قطع الذكر فيه إبطال للنسل وليس في قطع اليد إبطاله ، والله أعلم .