قوله :
وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون [ ص: 151 ] قوله تعالى : وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم أي : جعلنا
عيسى يقفو آثارهم ، أي : آثار النبيين الذين أسلموا .
مصدقا لما بين يديه يعني التوراة ; فإنه رأى التوراة حقا ، ورأى وجوب العمل بها إلى أن يأتي ناسخ . ( مصدقا ) نصب على الحال من
عيسى . فيه هدى في موضع رفع بالابتداء . ونور عطف عليه . ومصدقا فيه وجهان ; يجوز أن يكون
لعيسى وتعطفه على ( مصدقا ) الأول ، ويجوز أن يكون حالا من الإنجيل ، ويكون التقدير : وآتيناه الإنجيل مستقرا فيه هدى ونور ومصدقا . وهدى وموعظة عطف على مصدقا أي : هاديا وواعظا للمتقين وخصهم لأنهم المنتفعون بهما ، ويجوز رفعهما على العطف على قوله : فيه هدى ونور .
قوله تعالى :
وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه قرأ
الأعمش وحمزة بنصب الفعل على أن تكون اللام لام كي ، والباقون بالجزم على الأمر ; فعلى الأول تكون اللام متعلقة بقوله : وآتيناه فلا يجوز الوقف ; أي : وآتيناه الإنجيل ليحكم أهله بما أنزل الله فيه ، ومن قرأه على الأمر فهو كقوله : وأن احكم بينهم فهو إلزام مستأنف يبتدأ به ، أي : ليحكم أهل الإنجيل أي : في ذلك الوقت ، فأما الآن فهو منسوخ ، وقيل : هذا أمر
للنصارى الآن بالإيمان
بمحمد صلى الله عليه وسلم ; فإن في الإنجيل وجوب الإيمان به ، والنسخ إنما يتصور في الفروع لا في الأصول . قال
مكي : والاختيار الجزم ; لأن الجماعة عليه ; ولأن ما بعده من الوعيد والتهديد يدل على أنه إلزام من الله تعالى لأهل الإنجيل . قال
النحاس : والصواب عندي أنهما قراءتان حسنتان ; لأن الله عز وجل لم ينزل كتابا إلا ليعمل بما فيه ، وأمر بالعمل بما فيه ; فصحتا جميعا .