قوله تعالى : وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون فيه اثنتا عشرة مسألة :
الأولى : قال
الكلبي : كان إذا أذن المؤذن وقام المسلمون إلى الصلاة قالت
اليهود : قد قاموا لا قاموا ; وكانوا يضحكون إذا ركع المسلمون وسجدوا وقالوا في حق الأذان : لقد ابتدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم ، فمن أين لك صياح مثل صياح العير ؟ فما أقبحه من صوت ، وما أسمجه من أمر . وقيل : إنهم كانوا إذا أذن المؤذن للصلاة تضاحكوا فيما بينهم وتغامزوا على طريق السخف والمجون ; تجهيلا لأهلها ، وتنفيرا للناس عنها وعن الداعي إليها . وقيل : إنهم كانوا يرون المنادي إليها بمنزلة اللاعب الهازئ بفعلها ، جهلا منهم بمنزلتها ; فنزلت هذه الآية ، ونزل قوله سبحانه :
ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا والنداء الدعاء برفع الصوت ، وقد يضم مثل الدعاء والرغاء ، وناداه مناداة ونداء أي : صاح به . وتنادوا أي : نادى بعضهم بعضا ، وتنادوا أي : جلسوا في النادي ، وناداه جالسه في النادي ، وليس في كتاب الله تعالى ذكر الأذان إلا في هذه الآية ، أما إنه ذكر في الجمعة على الاختصاص .
الثانية : قال العلماء : ولم يكن
الأذان بمكة قبل الهجرة ، وإنما كانوا ينادون " الصلاة جامعة " فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وصرفت القبلة إلى
الكعبة أمر بالأذان ، وبقي " الصلاة جامعة " للأمر يعرض ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أهمه أمر الأذان حتى أريه
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد ،
وعمر بن [ ص: 165 ] الخطاب ،
وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم سمع الأذان ليلة الإسراء في السماء ، وأما رؤيا
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد الخزرجي الأنصاري وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فمشهورة ; وأن
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ليلا طرقه به ، وأن
عمر رضي الله عنه قال : إذا أصبحت أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم ; فأمر النبي صلى الله عليه وسلم
بلالا فأذن بالصلاة أذان الناس اليوم ، وزاد
بلال في الصبح " الصلاة خير من النوم " فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست فيما أري الأنصاري ; ذكره
ابن سعد عن
ابن عمر ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني رحمه الله أن
الصديق رضي الله عنه أري الأذان ، وأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
بلالا قبل أن يخبره الأنصاري ; ذكره في كتاب " المديح " له في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن
أبي بكر الصديق وحديث
أبي بكر عنه .
الثالثة : واختلف العلماء في
وجوب الأذان والإقامة ; فأما
مالك وأصحابه فإن الأذان عندهم إنما يجب في المساجد للجماعات حيث يجتمع الناس ، وقد نص على ذلك
مالك في موطئه ، واختلف المتأخرون من أصحابه على قولين : أحدهما : سنة مؤكدة واجبة على الكفاية في المصر وما جرى مجرى المصر من القرى . وقال بعضهم : هو فرض على الكفاية . وكذلك اختلف أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وحكى
الطبري عن
مالك قال : إن ترك أهل مصر الأذان عامدين أعادوا الصلاة ; قال
أبو عمر : ولا أعلم اختلافا في وجوب الأذان جملة على أهل المصر ; لأن الأذان هو العلامة الدالة المفرقة بين دار الإسلام ودار الكفر ; وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية قال لهم :
إذ سمعتم الأذان فأمسكوا وكفوا وإن لم تسمعوا الأذان فأغيروا - أو قال - فشنوا الغارة ، وفي صحيح
مسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830621كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر ، فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار الحديث وقال
عطاء ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وداود : الأذان فرض ، ولم يقولوا على الكفاية ، وقال
الطبري : الأذان سنة وليس بواجب ، وذكر عن
أشهب عن
مالك : إن
ترك الأذان مسافر عمدا فعليه إعادة الصلاة ، وكره الكوفيون أن يصلي المسافر بغير أذان ولا إقامة ; قالوا : وأما ساكن المصر فيستحب له أن يؤذن ويقيم ; فإن استجزأ بأذان الناس وإقامتهم أجزأه ، وقال
الثوري : تجزئه الإقامة عن الأذان في السفر ، وإن شئت أذنت وأقمت ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : يؤذن المسافر على حديث
مالك بن الحويرث . وقال
داود : الأذان واجب على كل مسافر في خاصته والإقامة ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
لمالك بن الحويرث ولصاحبه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830622إذا كنتما في سفر فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وهو قول أهل الظاهر . قال
ابن المنذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لمالك بن الحويرث ولابن عم له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830623إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما . قال
ابن المنذر : فالأذان والإقامة واجبان على كل جماعة في الحضر
[ ص: 166 ] والسفر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأذان وأمره على الوجوب . قال
أبو عمر : واتفق
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابهما
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري على أن
المسافر إذا ترك الأذان عامدا أو ناسيا أجزأته صلاته ; وكذلك لو ترك الإقامة عندهم ، وهم أشد كراهة لتركه الإقامة ، واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في أن الأذان غير واجب وليس فرضا من فروض الصلاة بسقوط الأذان للواحد عند الجمع بعرفة والمزدلفة ، وتحصيل مذهب
مالك في الأذان في السفر
nindex.php?page=showalam&ids=13790كالشافعي سواء .
الرابعة : واتفق
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأصحابهما على أن
الأذان مثنى والإقامة مرة مرة ، إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يربع التكبير الأول ; وذلك محفوظ من روايات الثقات في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=95أبي محذورة ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد ; قال : وهي زيادة يجب قبولها ، وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن أذان
أهل مكة لم يزل في
آل أبي محذورة كذلك إلى وقته وعصره . قال أصحابه : وكذلك هو الآن عندهم ; وما ذهب إليه
مالك موجود أيضا في أحاديث صحاح في أذان
nindex.php?page=showalam&ids=95أبي محذورة ، وفي أذان
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد ، والعمل عندهم
بالمدينة على ذلك في
آل سعد القرظي إلى زمانهم ، واتفق
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي على الترجيع في الأذان ; وذلك رجوع المؤذن إذا قال : " أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن
محمدا رسول الله مرتين " رجع فمد من صوته جهده . ولا خلاف بين
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في الإقامة إلا قوله : " قد قامت الصلاة " فإن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا يقولها مرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي مرتين ; وأكثر العلماء على ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وبه جاءت الآثار ، وقال
أبو حنيفة وأصحابه
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن حي : الأذان والإقامة جميعا مثنى مثنى ، والتكبير عندهم في أول الأذان وأول الإقامة " الله أكبر " أربع مرات ، ولا ترجيع عندهم في الأذان ; وحجتهم في ذلك حديث
عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : حدثنا أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=839103أن nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، رأيت في المنام كان رجلا قام وعليه بردان أخضران على جذم حائط فأذن مثنى وأقام مثنى وقعد بينهما قعدة ، فسمع بلال بذلك فقام وأذن مثنى وقعد قعدة وأقام مثنى ; رواه
الأعمش وغيره عن
عمرو بن مرة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، وهو قول جماعة التابعين والفقهاء
بالعراق . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبو إسحاق السبيعي : كان أصحاب
علي وعبد الله يشفعون الأذان والإقامة ; فهذا أذان الكوفيين ، متوارث عندهم به العمل قرنا بعد قرن أيضا ، كما يتوارث الحجازيون ; فأذانهم تربيع التكبير مثل المكيين . ثم الشهادة بأن لا إله إلا الله مرة واحدة ، وأشهد أن
محمدا رسول الله مرة واحدة ، ثم حي على الصلاة مرة ، ثم حي على الفلاح مرة ، ثم يرجع المؤذن فيمد صوته ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله - الأذان كله - مرتين مرتين إلى آخره . قال
أبو عمر : ذهب
[ ص: 167 ] nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه وداود بن علي nindex.php?page=showalam&ids=16935ومحمد بن جرير الطبري إلى إجازة القول بكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحملوه على الإباحة والتخيير ، قالوا : كل ذلك جائز ; لأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع ذلك ، وعمل به أصحابه ، فمن شاء قال : الله أكبر مرتين في أول الأذان ، ومن شاء قال ذلك أربعا ، ومن شاء رجع في أذانه ، ومن شاء لم يرجع ، ومن شاء ثنى الإقامة ، ومن شاء أفردها ، إلا قوله : " قد قامت الصلاة " فإن ذلك مرتان مرتان على كل حال ! ! .
الخامسة : واختلفوا في
التثويب لصلاة الصبح - وهو قول المؤذن : الصلاة خير من النوم - فقال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث : يقول المؤذن في صلاة الصبح - بعد قوله : حي على الفلاح مرتين - الصلاة خير من النوم مرتين ; وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بالعراق ، وقال
بمصر : لا يقول ذلك ، وقال
أبو حنيفة وأصحابه : يقوله بعد الفراغ من الأذان إن شاء ، وقد روي عنهم أن ذلك في نفس الأذان ; وعليه الناس في صلاة الفجر . قال
أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=95أبي محذورة أنه أمره أن يقول في أذان الصبح : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=830624الصلاة خير من النوم ) . وروي عنه أيضا ذلك من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد ، وروي عن
أنس أنه قال : من
السنة أن يقال في الفجر " الصلاة خير من النوم " ، وروي عن
ابن عمر أنه كان يقوله ; وأما قول
مالك في " الموطأ " أنه بلغه أن المؤذن جاء إلى
عمر بن الخطاب يؤذنه بصلاة الصبح فوجده نائما فقال : الصلاة خير من النوم ; فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح فلا أعلم أن هذا روي عن
عمر من جهة يحتج بها وتعلم صحتها ; وإنما فيه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن رجل يقال له "
إسماعيل " فاعرفه ; ذكر
ابن أبي شيبة حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16513عبدة بن سليمان عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن رجل يقال له "
إسماعيل " قال : جاء المؤذن يؤذن
عمر بصلاة الصبح فقال : الصلاة خير من النوم " فأعجب به
عمر وقال للمؤذن : " أقرها في أذانك " . قال
أبو عمر : والمعنى فيه عندي أنه قال له : نداء الصبح موضع القول بها لا هاهنا ، كأنه كره أن يكون منه نداء آخر عند باب الأمير كما أحدثه الأمراء بعد . قال
أبو عمر : وإنما حملني على هذا التأويل وإن كان الظاهر من الخبر خلافه ; لأن
التثويب في صلاة الصبح أشهر عند العلماء والعامة من أن يظن
بعمر رضي الله عنه أنه جهل شيئا سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به مؤذنيه ،
بالمدينة بلالا ،
وبمكة أبا محذورة ; فهو محفوظ معروف في تأذين بلال ، وأذان
nindex.php?page=showalam&ids=95أبي محذورة في صلاة الصبح للنبي صلى الله عليه وسلم ; مشهور عند العلماء . روى
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن
سفيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16692عمران بن مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16072سويد بن غفلة أنه أرسل إلى مؤذنه إذا بلغت " حي على الفلاح " فقل : الصلاة خير من النوم ; فإنه أذان
بلال ; ومعلوم أن
بلالا لم يؤذن قط
لعمر ، ولا سمعه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة
بالشام إذ دخلها .
[ ص: 168 ] السادسة : وأجمع أهل العلم على أن من السنة
ألا يؤذن للصلاة إلا بعد دخول وقتها إلا الفجر ، فإنه يؤذن لها قبل طلوع الفجر في قول
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ; وحجتهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830625إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم . وقال
أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ومحمد بن الحسن : لا يؤذن لصلاة الصبح حتى يدخل وقتها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
لمالك بن الحويرث وصاحبه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830626إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما وليؤمكما أكبركما وقياسا على سائر الصلوات ، وقالت طائفة من أهل الحديث : إذا كان للمسجد مؤذنان أذن أحدهما قبل طلوع الفجر ، والآخر بعد طلوع الفجر .
السابعة : واختلفوا في
المؤذن يؤذن ويقيم غيره ; فذهب
مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أنه لا بأس بذلك ;
nindex.php?page=hadith&LINKID=839107لحديث محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره إذ رأى النداء في النوم أن يلقيه على بلال ; ثم أمر nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد فأقام . وقال
الثوري nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : من أذن فهو يقيم ; لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=13786عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن
زياد بن نعيم nindex.php?page=hadith&LINKID=839108عن زياد بن الحارث الصدائي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان أول الصبح أمرني فأذنت ، ثم قام إلى الصلاة فجاء بلال ليقيم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم . قال
أبو عمر :
nindex.php?page=showalam&ids=13786عبد الرحمن بن زياد هو الإفريقي ، وأكثرهم يضعفونه ، وليس يروي هذا الحديث غيره ; والأول أحسن إسنادا إن شاء الله تعالى . وإن صح حديث
الإفريقي فإن من أهل العلم من يوثقه ويثني عليه ; فالقول به أولى لأنه نص في موضع الخلاف ، وهو متأخر عن قصة
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد مع
بلال ، والآخر ; فالآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يتبع ، ومع هذا فإني أستحب
إذا كان المؤذن واحدا راتبا أن يتولى الإقامة ; فإن أقامها غيره فالصلاة ماضية بإجماع ، والحمد لله .
الثامنة : وحكم
المؤذن أن يترسل في أذانه ، ولا يطرب به كما يفعله اليوم كثير من الجهال ، بل وقد أخرجه كثير من الطغام والعوام عن حد الإطراب ; فيرجعون فيه الترجيعات ، ويكثرون فيه التقطيعات حتى لا يفهم ما يقول ، ولا بما به يصول . روى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
عطاء عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839109كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 169 ] إن الأذان سهل سمح فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن ،
ويستقبل في أذانه القبلة عند جماعة العلماء ، ويلوي رأسه يمينا وشمالا في " حي على الصلاة حي على الفلاح " عند كثير من أهل العلم . قال
أحمد : لا يدور إلا أن يكون في منارة يريد أن يسمع الناس ; وبه قال
إسحاق ، والأفضل أن يكون متطهرا .
التاسعة : ويستحب
لسامع الأذان أن يحكيه إلى آخر التشهدين وإن أتمه جاز ; لحديث
أبي سعيد ; وفي صحيح
مسلم عن
عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830627إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم قال : حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : حي على الفلاح قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : الله أكبر الله أكبر قال : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : لا إله إلا الله قال : لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة ، وفيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830628من قال حين يسمع المؤذن : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا غفر له ما تقدم من ذنبه .
العاشرة : وأما
فضل الأذان والمؤذن فقد جاءت فيه أيضا آثار صحاح ; منها ما رواه
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830629إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين الحديث . وحسبك أنه شعار الإسلام ، وعلم على الإيمان كما تقدم ، وأما المؤذن فروى
مسلم عن
معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830630المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة ، وهذه إشارة إلى الأمن من هول ذلك اليوم . والله أعلم ، والعرب تكني بطول العنق عن أشراف القوم وساداتهم ; كما قال قائلهم :
يشبهون ملوكا في تجلتهم طوال أنضية الأعناق واللمم
وفي الموطأ عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830631لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ، وفي سنن
ابن ماجه عن
ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830632من أذن محتسبا سبع سنين كتبت له براءة من النار وفيه عن
ابن عمر أن
[ ص: 170 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830633من أذن ثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة ولكل إقامة ثلاثون حسنة . قال
أبو حاتم : هذا الإسناد منكر والحديث صحيح . وعن
عثمان بن أبي العاص قال : كان آخر ما عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=830634ألا أتخذ مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا ) حديث ثابت .
الحادية عشرة : واختلفوا في
أخذ الأجرة على الأذان ; فكره ذلك
القاسم بن عبد الرحمن وأصحاب الرأي ، ورخص فيه
مالك ، وقال : لا بأس به ، وقال
الأوزاعي : ذلك مكروه ، ولا بأس بأخذ الرزق على ذلك من بيت المال ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يرزق المؤذن إلا من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم . قال
ابن المنذر : لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان . وقد استدل علماؤنا بأخذ الأجرة بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=95أبي محذورة ، وفيه نظر ; أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وغيرهما قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830635خرجت في نفر فكنا ببعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون فصرخنا نحكيه نهزأ به ; فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا قوما فأقعدونا بين يديه فقال : أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع فأشار إلي القوم كلهم وصدقوا فأرسل كلهم وحبسني وقال لي : قم فأذن فقمت ولا شيء أكره إلي من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به ، فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه فقال : قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم قال لي : ارفع فمد صوتك أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ، قد وضع يده على ناصية nindex.php?page=showalam&ids=95أبي محذورة ثم أمرها على وجهه ، ثم على ثدييه ، ثم على كبده حتى بلغت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم سرة nindex.php?page=showalam&ids=95أبي محذورة ; ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بارك الله لك وبارك عليك ، فقلت : يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة ، قال : قد أمرتك . فذهب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهية ، وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ; فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لفظ
ابن ماجه .
[ ص: 171 ] الثانية عشرة :
ذلك بأنهم قوم لا يعقلون أي : أنهم بمنزلة من لا عقل له يمنعه من القبائح . روي أن رجلا من
النصارى وكان
بالمدينة إذا سمع المؤذن يقول : " أشهد أن
محمدا رسول الله " قال : حرق الكاذب ; فسقطت في بيته شرارة من نار وهو نائم فتعلقت بالبيت فأحرقته وأحرقت ذلك الكافر معه ; فكانت عبرة للخلق " والبلاء موكل بالمنطق " وقد كانوا يمهلون مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى يستفتحوا ، فلا يؤخروا بعد ذلك ; ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي .