قوله تعالى :
قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون قوله تعالى : قل لا يستوي الخبيث والطيب فيه ثلاث مسائل :
[ ص: 250 ] الأولى : قال
الحسن :
الخبيث والطيب الحلال والحرام ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : المؤمن والكافر ، وقيل : المطيع والعاصي . وقيل : الرديء والجيد ; وهذا على ضرب المثال ، والصحيح أن اللفظ عام في جميع الأمور ، يتصور في المكاسب والأعمال والناس ، والمعارف من العلوم وغيرها ; فالخبيث من هذا كله لا يفلح ولا ينجب ، ولا تحسن له عاقبة وإن كثر ، والطيب وإن قل نافع جميل العاقبة . قال الله تعالى :
والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ، ونظير هذه الآية قوله تعالى :
أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار وقوله
أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ; فالخبيث لا يساوي الطيب مقدارا ولا إنفاقا ، ولا مكانا ولا ذهابا ، فالطيب يأخذ جهة اليمين ، والخبيث يأخذ جهة الشمال ، والطيب في الجنة ، والخبيث في النار وهذا بين . وحقيقة الاستواء الاستمرار في جهة واحدة ، ومثله الاستقامة وضدها الاعوجاج ، ولما كان هذا وهي :
الثانية : قال بعض علمائنا : إن
البيع الفاسد يفسخ ولا يمضى بحوالة سوق ، ولا بتغير بدن ، فيستوي في إمضائه مع البيع الصحيح ، بل يفسخ أبدا ، ويرد الثمن على المبتاع إن كان قبضه ، وإن تلف في يده ضمنه ; لأنه لم يقبضه على الأمانة ، وإنما قبضه بشبهة عقد . وقيل : لا يفسخ نظرا إلى أن البيع إذا فسخ ورد بعد الفوت يكون فيه ضرر وغبن على البائع ، فتكون السلعة تساوي مائة وترد عليه وهي تساوي عشرين ، ولا عقوبة في الأموال ، والأول أصح لعموم الآية ، ولقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830459من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد .
قلت : وإذا تتبع هذا المعنى في عدم الاستواء في مسائل الفقه تعددت وكثرت ، فمن ذلك الغاصب وهي :
الثالثة : إذا
بنى في البقعة المغصوبة أو غرس فإنه يلزمه قلع ذلك البناء والغرس ; لأنه خبيث ، وردها ; خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة في قوله : لا يقلع ويأخذ صاحبها القيمة ، وهذا يرده قوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830692ليس لعرق ظالم حق . قال
هشام : العرق الظالم أن يغرس الرجل في أرض غيره ليستحقها بذلك . قال
مالك : العرق الظالم كل ما أخذ واحتفر وغرس في غير حق . قال
[ ص: 251 ] مالك :
من غصب أرضا فزرعها ، أو أكراها ، أو دارا فسكنها أو أكراها ، ثم استحقها ربها أن على الغاصب كراء ما سكن ورد ما أخذ في الكراء واختلف قوله إذا لم يسكنها أو لم يزرع الأرض وعطلها ; فالمشهور من مذهبه أنه ليس عليه فيه شيء ; وقد روي عنه أنه عليه كراء ذلك كله ، واختاره
الوقار ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; لقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830692ليس لعرق ظالم حق وروى
أبو داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير nindex.php?page=hadith&LINKID=830693أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر ، فقضى لصاحب الأرض بأرضه ، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها ، قال : فلقد رأيتها ، وإنها لتضرب أصولها بالفئوس حتى أخرجت منها وإنها لنخل عم ، وهذا نص . قال
ابن حبيب : والحكم فيه أن يكون صاحب الأرض مخيرا على الظالم ، إن شاء حبس ذلك في أرضه بقيمته مقلوعا ، وإن شاء نزعه من أرضه ; وأجر النزع على الغاصب ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500110من بنى في رباع قوم بإذنهم فله القيمة ومن بنى بغير إذنهم فله النقض قال علماؤنا : إنما تكون له القيمة ; لأنه بنى في موضع يملك منفعته ، وذلك كمن بنى أو غرس بشبهة فله حق ; إن شاء رب المال أن يدفع إليه قيمته قائما ، وإن أبى قيل للذي بنى أو غرس : ادفع إليه قيمة أرضه براحا ; فإن أبى كانا شريكين . قال
ابن الماجشون : وتفسير اشتراكهما أن تقوم الأرض براحا ، ثم تقوم بعمارتها فما زادت قيمتها بالعمارة على قيمتها براحا كان العامل شريكا لرب الأرض فيها ، إن أحبا قسما أو حبسا . قال
ابن الجهم : فإذا دفع رب الأرض قيمة العمارة وأخذ أرضه كان له كراؤها فيما مضى من السنين . وقد روي عن
ابن القاسم وغيره أنه إذا بنى رجل في أرض رجل بإذنه ثم وجب له إخراجه ، فإنه يعطيه قيمة بنائه مقلوعا ، والأول أصح لقوله عليه السلام : فله القيمة وعليه أكثر الفقهاء .
الرابعة : قوله تعالى :
ولو أعجبك كثرة الخبيث قيل : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعجبه الخبيث ، وقيل : المراد به النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ، وإعجابه له أنه صار عنده عجبا مما يشاهده من كثرة الكفار والمال الحرام ، وقلة المؤمنين والمال الحلال .
فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون تقدم معناه