قوله تعالى :
وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون
قوله تعالى :
وهو القاهر فوق عباده القهر الغلبة ، والقاهر الغالب ، وأقهر الرجل إذا صير بحال المقهور الذليل ; قال الشاعر :
تمنى حصين أن يسود جذاعه فأمسى حصين قد أذل وأقهرا
وقهر غلب . ومعنى
فوق عباده فوقية الاستعلاء بالقهر والغلبة عليهم ; أي : هم تحت
[ ص: 310 ] تسخيره لا فوقية مكان ; كما تقول : السلطان فوق رعيته أي : بالمنزلة والرفعة . وفي القهر معنى زائد ليس في القدرة ، وهو منع غيره عن بلوغ المراد .
وهو الحكيم في أمره الخبير بأعمال عباده ، أي : من اتصف بهذه الصفات يجب ألا يشرك به .
قوله تعالى :
قل أي شيء أكبر شهادة وذلك أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : من يشهد لك بأنك رسول الله فنزلت الآية ; عن
الحسن وغيره . ولفظ شيء هنا واقع موقع اسم الله تعالى ; المعنى الله أكبر شهادة أي انفراده بالربوبية ، وقيام البراهين على توحيده أكبر شهادة وأعظم ; فهو شهيد بيني وبينكم على أني قد بلغتكم وصدقت فيما قلته وادعيته من الرسالة .
وأوحي إلي هذا القرآن أي : والقرآن شاهد بنبوتي .
لأنذركم به يا
أهل مكة .
ومن بلغ أي : ومن بلغه القرآن . فحذف ( الهاء ) لطول الكلام . وقيل : ومن بلغ الحلم . ودل بهذا على أن من لم يبلغ الحلم ليس بمخاطب ولا متعبد . وتبليغ القرآن والسنة مأمور بهما ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغهما ; فقال :
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك . وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830729بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار . وفي الخبر أيضا ;
من بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله أخذ به أو تركه . وقال
مقاتل : من بلغه القرآن من الجن والإنس فهو نذير له . وقال
القرظي : من بلغه القرآن فكأنما قد رأى
محمدا صلى الله عليه وسلم وسمع منه . وقرأ
أبو نهيك : ( وأوحي إلي هذا القرآن ) مسمى الفاعل ; وهو معنى قراءة الجماعة .
أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى استفهام توبيخ وتقريع . وقرئ ( أئنكم ) بهمزتين على الأصل . وإن خففت الثانية قلت : ( أينكم ) . وروى
الأصمعي عن
أبي عمرو ونافع ( آئنكم ) ; وهذه لغة معروفة ، تجعل بين الهمزتين ألف ، كراهة لالتقائهما ; قال الشاعر (
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذو الرمة ) :
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل وبين النقا آأنت أم أم سالم
ومن قرأ " إنكم " على الخبر فعلى أنه قد حقق عليهم شركهم . وقال :
آلهة أخرى ولم يقل : ( أخر ) ; قال
الفراء : لأن الآلهة جمع والجمع يقع عليه التأنيث ; ومنه قوله :
[ ص: 311 ] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ، وقوله :
فما بال القرون الأولى ولو قال : الأول والآخر صح أيضا .
قل لا أشهد أي : فأنا لا أشهد معكم فحذف لدلالة الكلام عليه ، ونظيره
فإن شهدوا فلا تشهد معهم .