قوله تعالى وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون قوله تعالى :
وكذلك نصرف الآيات الكاف في كذلك في موضع نصب ; أي نصرف الآيات مثل ما تلونا عليك . أي كما صرفنا الآيات في الوعد والوعيد والوعظ والتنبيه في هذه السورة نصرف في غيرها .
وليقولوا درست والواو للعطف على مضمر ; أي نصرف الآيات لتقوم الحجة وليقولوا درست . وقيل : أي
وليقولوا درست صرفناها ; فهي لام الصيرورة . وقال
الزجاج : هذا كما تقول كتب فلان هذا الكتاب لحتفه ; أي آل أمره إلى ذلك . وكذا لما صرفت الآيات آل أمرهم إلى أن قالوا : درست وتعلمت من
جبر ويسار ، وكانا غلامين نصرانيين
بمكة ، فقال
أهل مكة : إنما يتعلم منهما . قال
النحاس : وفي المعنى قول آخر حسن ، وهو أن يكون معنى
نصرف الآيات نأتي بها آية بعد آية ليقولوا درست علينا ; فيذكرون الأول بالآخر . فهذا حقيقة ، والذي قاله
أبو إسحاق مجاز .
وفي " درست " سبع قراءات . قرأ
أبو عمرو وابن كثير " دارست " بالألف بين الدال
[ ص: 54 ] والراء ; كفاعلت . وهي قراءة
علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وأهل مكة . قال
ابن عباس : معنى " دارست " تاليت . وقرأ
ابن عامر " درست " بفتح السين وإسكان التاء من غير ألف ; كخرجت . وهي قراءة
الحسن . وقرأ الباقون " درست " كخرجت . فعلى الأولى : دارست
أهل الكتاب ودارسوك ; أي ذاكرتهم وذاكروك ; قاله
سعيد بن جبير . ودل على هذا المعنى قوله تعالى إخبارا عنهم :
وأعانه عليه قوم آخرون أي أعان
اليهود النبي صلى الله عليه وسلم على القرآن وذاكروه فيه . وهذا كله قول المشركين . ومثله قولهم :
وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين . وقيل : المعنى دارستنا ; فيكون معناه كمعنى درست ; ذكره
النحاس واختاره ، والأول ذكره
مكي . وزعم
النحاس أنه مجاز ; كما قال :
فللموت ما تلد الوالده
ومن قرأ " درست " فأحسن ما قيل في قراءته أن المعنى : ولئلا يقولوا انقطعت وامحت ، وليس يأتي
محمد صلى الله عليه وسلم بغيرها . وقرأ
قتادة " درست " أي قرئت . وروى
سفيان بن عيينة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16711عمرو بن عبيد عن
الحسن أنه قرأ " دارست " . وكان
أبو حاتم يذهب إلى أن هذه القراءة لا تجوز ; قال : لأن الآيات لا تدارس . وقال غيره : القراءة بهذا تجوز ، وليس المعنى على ما ذهب إليه
أبو حاتم ، ولكن معناه دارست أمتك ; أي دارستك أمتك ، وإن كان لم يتقدم لها ذكر ; مثل قوله :
حتى توارت بالحجاب . وحكى
الأخفش " وليقولوا درست " وهو بمعنى " درست " إلا أنه أبلغ . وحكى
أبو العباس أنه قرئ " وليقولوا درست " بإسكان اللام على الأمر . وفيه معنى التهديد ; أي فليقولوا بما شاءوا فإن الحق بين ; كما قال عز وجل
فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا فأما من كسر اللام فإنها عنده لام كي . وهذه القراءات كلها يرجع اشتقاقها إلى شيء واحد ، إلى التليين والتذليل . ودرست من درس يدرس دراسة ، وهي القراءة على الغير . وقيل : درسته أي ذللته بكثرة القراءة ; وأصله درس الطعام أي داسه . والدياس الدراس بلغة
أهل الشام . وقيل : أصله من درست الثوب أدرسه درسا أي أخلقته . وقد درس الثوب درسا أي أخلق . ويرجع هذا إلى التذلل أيضا . ويقال : سمي إدريس لكثرة دراسته لكتاب الله . ودارست الكتب وتدارستها وادارستها أي درستها . ودرست الكتاب درسا ودراسة . ودرست المرأة درسا أي حاضت . ويقال إن فرج المرأة يكنى أبا أدراس ; وهو
[ ص: 55 ] من الحيض . والدرس أيضا : الطريق الخفي . وحكى
الأصمعي : بعير لم يدرس أي لم يركب ، ودرست من درس المنزل إذا عفا . وقرأ
ابن مسعود وأصحابه
وأبي وطلحة nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش " وليقولوا درس " أي درس
محمد الآيات .
ولنبينه يعني القول والتصريف ، أو القرآن لقوم يعلمون .