قوله تعالى فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين [ ص: 160 ] قوله تعالى
فوسوس لهما الشيطان أي إليهما . قيل : داخل الجنة بإدخال الحية إياه وقيل : من خارج ، بالسلطنة التي جعلت له . وقد مضى هذا في " البقرة " والوسوسة : الصوت الخفي . والوسوسة : حديث النفس ; يقال : وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا " بكسر الواو " . والوسواس " بالفتح " : اسم ، مثل الزلزال . ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلي : وسواس . قال
الأعشى :
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل
والوسواس : اسم الشيطان .
قال الله تعالى :
من شر الوسواس الخناس .
ليبدي لهما أي ليظهر لهما . واللام لام العاقبة ; كما قال :
ليكون لهم عدوا وحزنا . وقيل : لام كي .
ما ووري عنهما أي ستر وغطي عنهما . ويجوز في غير القرآن أوري ، مثل أقتت
من سوآتهما من عوراتهما وسمي الفرج عورة ; لأن إظهاره يسوء صاحبه . ودل هذا على قبح كشفها فقيل : إنما بدت سوآتهما لهما لا لغيرهما ; كان عليهما نور لا ترى عوراتهما فزال النور . وقيل : ثوب ; فتهافت ، والله أعلم .
إلا أن تكونا ملكين أن في موضع نصب ، بمعنى إلا ، كراهية أن ; فحذف المضاف . هذا قول البصريين . والكوفيون يقولون : لئلا تكونا . وقيل : أي إلا ألا تكونا ملكين تعلمان الخير والشر . وقيل : طمع
آدم في الخلود ; لأنه علم أن الملائكة لا يموتون إلى يوم القيامة . قال
النحاس : وبين الله عز وجل فضل الملائكة على جميع الخلق في غير موضع من القرآن ; فمنها هذا ، وهو
إلا أن تكونا ملكين . ومنه
ولا أقول إني ملك . ومنه
ولا الملائكة المقربون . وقال
الحسن :
فضل الله الملائكة بالصور والأجنحة والكرامة . وقال غيره : فضلهم جل وعز بالطاعة وترك المعصية ; فلهذا يقع التفضيل في كل شيء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك . لا حجة في هذه الآية ; لأنه يحتمل أن يريد ملكين في ألا يكون لهما شهوة في طعام . واختيار
ابن عباس والزجاج وكثير من العلماء
تفضيل المؤمنين على الملائكة ; وقد مضى في البقرة وقال
الكلبي : فضلوا على الخلائق كلهم ، غير طائفة من الملائكة :
جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ; لأنهم من جملة رسل الله . وتمسك كل فريق بظواهر من الشريعة ، والفضل بيد الله . وقرأ
ابن عباس ( ملكين ) بكسر اللام ، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير والضحاك . وأنكر
أبو عمرو بن العلاء كسر اللام وقال :
[ ص: 161 ] لم يكن قبل
آدم صلى الله عليه وسلم ملك فيصيرا ملكين . قال
النحاس : ويجوز على هذه القراءة إسكان اللام ، ولا يجوز على القراءة الأولى لخفة الفتحة . قال
ابن عباس : أتاهما الملعون من جهة الملك ; ولهذا قال :
هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى . وزعم
أبو عبيد أن احتجاج
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير بقوله :
وملك لا يبلى حجة بينة ، ولكن الناس على تركها فلهذا تركناها . قال
النحاس : ( إلا أن تكونا ملكين ) قراءة شاذة . وقد أنكر على
أبي عبيد هذا الكلام ، وجعل من الخطأ الفاحش . وهل يجوز أن يتوهم
آدم عليه السلام أنه يصل إلى أكثر من ملك الجنة ; وهو غاية الطالبين . وإنما معنى
وملك لا يبلى المقام في ملك الجنة ، والخلود فيه .